الصحابة رضوان الله عليهم ، واجبناالمسلمين نحو الصحابة ، حكم سب الصحابة
الصّحابة رضي الله عنهم
يمكن تعريف الصحابي على أنه كل من لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآمن به، ومات على الإسلام، ومن الجدير بالذكر أن الله -تعالى- بيّن فضل الصحابة -رضي الله عنهم- وأثنى عليهم في كثير من مواضع القرآن الكريم، ومنها قوله تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ)، وأكد النبي -عليه الصلاة والسلام- على عِظم فضل أصحابه رضي الله عنهم، وأنه مهما بلغ غيرهم من التقوى والعبادة فلا يمكن أن يُقارن مع ما بلغوه، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيدِه، لو أن أحدَكم أنفق مثلَ أحدٍ ذهبًا، ما أدرك مدَّ أحدِهم، ولا نصيفَه)، وقد سار علماء الأمة على خطى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجمعوا على عدالة الصحابة رضي الله عنهم، ولذلك يجب علينا أن نذكرهم بالخير، ونترضّى عليهم عند ذكرهم.
واجب المسلمين نحو الصّحابة رضي الله عنهم
إن للصحابة حقوقاً يجب على كل مسلم مراعاتها، ويمكن بيانها فيما يأتي:
الاستغفار لهم والترحم عليهم: فمن واجبات الأمة الاستغفار للصحابة -رضي الله عنهم- والترحم عليهم عند ذكرهم، امتثالاً لقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ).
محبتهم بالقلب والثناء عليهم باللسان: يجب على المسلم الاعتراف بفضل الصحابة رضي الله عنهم، وتطهير قلبه من الغل والحقد على أي أحد منهم، بالإضافة إلى محبتهم وذكر ما كان لهم من السابقة وما ثبت لهم من الفضل، وما قاموا به من الإحسان والمعروف، والسعي إلى نشر محبتهم بين المسلمين.
التلقي عنهم: إذ يجب على المسلم الأخذ عن الصحابة رضي الله عنهم، والاقتداء بأقوالهم وأفعالهم، والتأسي بهم في الدعوة والعلم والعمل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحسن معاملة المسلمين، والشدة على الكافرين، لا سيما أن الصحابة الكرام أبعد الأمة عن هوى النفس، وأعلم الناس بمراد الله -تعالى- في القرآن الكريم ومُراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سنته، وتطبيق ذلك في واقع الحياة.
عدم الخوض فيما حدث بينهم من خلاف: يجب على المسلمين التوقف عن الخوض في الخلاف الذي وقع بين الصحابة رضي الله عنهم، فقد كانوا مجتهدين مأجورين، فمن أصاب منهم له أجران، ومن أخطأ فله أجر، وزلّته مغفورة إن شاء الله، ويجب على المسلم الحذر من إشاعة ما تم افتراءه على الصحابة -رضي الله عنهم- من أكاذيب لا أصل لها في التاريخ من قبل أهل البدع والأهواء والغلو، لا سيما أن في نشر ذلك تشجيع على القدح فيهم، وبغضهم، وتسويد القلوب بالحقد والغل عليهم، وذلك من كبائر الذنوب، ومدعاة لغضب الله تعالى.
اعتقاد حرمة سبهم: إذ إن الصحابة -رضي الله عنهم- من أولياء الله -تعالى- وأفضل البشر بعد الأنبياء والمرسلين، وقد أثنى الله -تعالى- عليهم وزكّاهم في كثير من المواضع، بالإضافة إلى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد نهى عن سبّهم، ولذلك فإن سبّهم تكذيب لله تعالى، وتقليلٌ للأدب مع النبي عليه الصلاة والسلام، وظلم لهم وتعدي عليهم، وقد قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا)،[٦] وقال عز وجل في الحديث القدسي: (من عادَى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحربِ).
حكم سب الصحابة رضي الله عنهم
أثنى الله -تعالى- على الصحابة -رضي الله عنهم- في القرآن الكريم، حيث قال: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، ولذلك ينبغي للمسلم أن يحب الصحابة -رضي الله عنهم- ويعرف عِظم قدرهم ورفيع مكانتهم، وقد لخص الطحاوي -رحمه الله- مكانة الصحابة -رضي الله عنهم- في قلوب المسلمين، حيث قال: (نحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان).
وفي الحقيقة أن ثمة خلاف بين العلماء في حكم سب الصحابة رضي الله عنهم، وهل يكفر من فعل ذلك أم لا؟ ويرجع السبب في الخلاف إلى تفاوت مراتب السب، فمِن السب ما يطعن في عدالتهم رضي الله عنهم، ومنه ما لا يطعن فيها، أو قد يشمل السب عموم الصحابة رضي الله عنهم أو آحادهم، وقد يكون هؤلاء الآحاد ممن تواترت النصوص في فضلهم، أو من هم دون ذلك، والمُجمع عليه أن استحلال سب الصحابة -رضي الله عنهم- كُفر مُخرج من الملّة، لأن في ذلك إنكارٌ لما هومعلومٌ من الدين بالضرورة، وكذلك من سب جميع الصحابة رضي الله عنهم، أو مجموعة منهم، أو أحدهم لصحبته فقد كفر.
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (أما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلاَّ نفرًا قليلاً لا يبلغون بضعة عشر نفسًا أو أنهم فسقوا عامتهم فهذا لا ريب في كفره؛ لأنه مكذب لما نصه القرآن في غير موضع من الرضا والثناء عليهم، بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين)، وقال الإمام السبكي رحمه الله: (إن سب الجميع بلا شك أنه كفر، وهكذا إذا سب واحدًا من الصحابة حيث هو صحابي؛ لأن ذلك استخفاف بحق الصحبة، ففيه تعرض إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلا شك في كفر الساب)، وقال أيضاً: (ولا شك أنه لو أبغض واحدًا منهما - أي الشيخين أبي بكر وعمر - لأجل صحبته فهو كفر، بل من دونهما في الصحبة إذا أبغضه لصحبته كان كافرًا قطعًا)، ومن صور السب المُجمع على كفر فاعله؛ رمي أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- بما برّأها الله منه، لأن في ذلك تكذيب للقرآن الكريم، وقد رُوي عن الإمام مالك أنه قال: (من سب عائشة قُتل، قيل له: لم؟ قال: من رماها فقد خالف القرآن)، وأما ما دون ذلك من السب فقد لا يصل إلى الكفر ولكنه فسوق بإجماع العلماء.