آخر زوجات الرسول -صلى الله عليه وسلم- هي أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال، وُلدت في العام التاسع والعشرين قبل الهجرة، وأمّها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة بن حمير، ولا بُد من الإشارة إلى شرف نسب ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، فهي خالة خالد بن الوليد وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وأخت أم الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، وأخت أسماء بنت عميس زوجة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد شهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لها ولأخواتها -رضي الله عنهن- بالإيمان، مصداقاً لما رواه عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -عليه الصلاة السلام- أنه قال: (الأخواتُ الأربعُ، ميمونةُ، و أمُّ الفضلِ، و سَلمى، و أسماءُ بنتُ عُمَيسٍ أختُهنَّ لأُمِّهنَّ مؤمناتٌ).
ورُوي أن ميمونة بنت الحارث -رضي الله عنها- قد جعلت أمرها إلى أختها أم الفضل بعد وفاة زوجها، وولّت أختها أم الفضل زوجها العباس-رضي الله عنه- أمرها، فزوّجها للنبي -عليه الصلاة والسلام- وأصدقها عنه أربعمئة درهم، وقيل إنها هي التي أنزل الله -تعالى- فيها قوله: (وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)، فقد وهبت نفسها للنبي عليه الصلاة والسلام، وذلك عندما بلغها خطبته -عليه الصلاة والسلام- لها، وكانت حينها راكبةً على جمل، فقالت: "الجمل وما عليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم".
زواج النبي من ميمونة بنت الحارث
تزوّج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ميمونة بنت الحارث -رضي الله عنها- في شهر ذي القعدة من العام السابع للهجرة، حيث أرسل -عليه الصلاة والسلام- جعفر بن أبي طالب ليخطبها، فأذن العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- بتزويجها وذلك بتوكيلٍ منها، وتمّ الزواج في مكة المكرمة في عمرة القضاء بعدما دخلها المسلمون بموجب الاتّفاق الذي تمّ بينهم وبين قريشٍ في صلح الحديبية، وكان كفار مكة قد خروجوا منها إكراماً لأنفسهم، وأشاعوا بينهم أخباراً كاذبةً تفيد بأن حال المسلمين صعبة، وأن المرض والضغف والفقر قد أجهدهم، ولمّا بلغت الأخبار إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حرص كل الحرص على إظهار قوة المسلمين وتكذيب إشاعات الكفار.
فأمر أصحابه -رضي الله عنهم- بالرمل أثناء الطواف، والرمل هو الهرولة، وأمرهم بالاضطباع وهو كشف الكتف الأيمن من الرداء، ثم أقام النبي -عليه الصلاة والسلام- في مكة ثلاثة أيام تزوّج خلالها أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، وبنى بها في طريق عودته إلى المدينة المنورة، وبعد أن شاهد الناس عزّة الإسلام والمسلمين في ذلك الموقف تيقّنوا أن يوم النصر الأكبر بفتح مكة بات قاب قوسين أو أدنى، ومن المصالح الأخرى التي تحقّقت من الزواج من ميمونة -رضي الله عنها- تأليف قلوب بني هلال وكسب تأييدهم، حيث أخذوا يدخلون في الإسلام رغبةً فيه ومحبةً له.
فضل ميمونة بنت الحارث
وردت في السيرة النبوية العديد من الروايات التي تدلّ على فضل أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، فقد ثبت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد شهد لها ولأخواتها بالإيمان، وقيل إن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو من سمّاها ميمونة، مصداقاً لما رُوي عن عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما- أنه قال: "كان اسم خالتي ميمونة برة فسماها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ميمونة"، وقد شهدت لها أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- بالتقوى، وصلة الرحم، مصداقاً لما رُوي عن يزيد بن الصمة ابن أخت ميمونة -رضي الله عنها- أنه قال: (تَلقَّيتُ عائشةَ وهي مُقبِلةٌ مِن مكَّةَ، أنا وابنُ أُختِها -وَلدٌ لطَلحةَ-، وقد كنَّا وقَعْنا في حائطٍ بالمدينةِ، فأصَبْنا منه، فبلَغَها ذلك، فأقبَلَتْ على ابنِ أُختِها تَلومُه، ثُمَّ وعَظَتْني مَوعظةً بَليغةً، ثُمَّ قالتْ: أمَا علِمتَ أنَّ اللهَ ساقكَ حتى جعَلَكَ في بَيْتِ نَبيِّه؛ ذهَبَتْ -واللهِ- مَيمونةُ، ورُميَ بحَبلِكَ على غارِبِكَ! أمَا إنَّها كانتْ مِن أتقانا للهِ، وأوْصَلِنا للرَّحِمِ).
وفاة ميمونة بنت الحارث
توفّيت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث -رضي الله عنها- في العام الواحد والخمسين للهجرة عن عمرٍ يُناهز الثمانين أو الواحد والثمانين عاماً، وكانت وفاتها في منطقةٍ بين مكة والمدينة تسمّى سرف، ودُفنت -رضي الله عنها- في نفس موقع قبّتها التي كان فيها عرسها.
مكانة أمهات المؤمنين
أوجب الله -تعالى- لزوجات النبي -عليه الصلاة والسلام- حكم الأمومة على كل المسلمين، مصداقاً لقوله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)، ومن الجدير بالذكر أن لأمّهات المؤمنين مكانةً عظيمةً في قلوب المسلمين جميعاً، إذ إن احترام زوجات النبي عليه الصلاة والسلام، وتوقيرهن، وإكرامهن، وتعظيمهن من صلب عقيدة أهل السنة والجماعة، لا سيّما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصّى الأمة من بعده بالإحسان إلى أهل بيته، مصداقاً لما رواه يزيد بن حيان -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (وَأَهْلُ بَيْتي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتي).
وقد بيّن أهل العلم أن أزواج النبي -عليه الصلاة والسلام- من أهل بيته، ومن الفضائل التي أكرم الله -تعالى- بها أمهان المؤمنين في القرآن الكريم أنّه بيّن عظم مكانتهن، وأنهم لسن كأحدٍ من النساء في الفضل والمنزلة، حيث قال تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا)، ومن حقوق أمهات المؤمنين الترضّي والصلاة عليهنّ عند ذكرهنّ، ومحبّتهنّ ومعرفة فضلهنّ، والاقتداء بهنّ، والدفاع عنهنّ، والوقوف في وجه من يسيء إليهنّ.