الفتوحات الإسلاميّة عمرو بن العاص فاتح مصر بداية الفتح الإسلامي لمصر الفتح الإسلامي نموذجاً
لم تكن المعارك والفتوحات الإسلاميّة من أجل تحقيق مصالح دنيويّة أو أهداف آنيّة، وإنّما كانت معارك لها رسائلها وأهدافها، فالمسلمون وبعد وفاة النّبي محمّد عليه الصّلاة والسّلام يحملون مهمّة تبليغ رسالة الإسلام إلى العالمين، وإنّ الحاجز والعائق الذي بين المسلمين والدعوة لا بدّ أن يزال أو يكسر إن اقتضت الضّرورة، وذلك في سبيل نشر النّور المحمّدي والرّسالة الخالدة لجميع النّاس في العالم.
استمرت بعد وفاة النّبي عليه الصّلاة والسّلام مسيرة الفتوحات الإسلاميّة للبلدان والأمصار التي كان يحتلّها الرّوم والفرس وغيرهم، وقد بشّر النّبي الكريم في أكثر من حديث بهذه الفتوحات، ومن بين البلدان التي تنبّأ النّبي بفتحها بلاد مصر، فقد قال يوماً لأصحابه أنّهم سوف يغزون الرّوم، وذلك بعد فتحهم للشّام، والرّوم كانت تسيطر في تلك الأثناء على مصر، وقد حدث ذلك فعلاً حينما تمكّن القائد المسلم والصّحابي الجليل عمرو بن العاص من فتح مصر ودخولها مظفّراً ابتداءً من السّنة الثّامنة عشرة للهجرة، فمن هو هذا الصحابي الجليل ؟ وكيف كان الفتح الإسلامي لمصر ؟
ولد عمرو بن العاص بن الوائل السهمي في مكة المكرمة لعائلة ذات مكانة وحظوة في قريش، وقد أسلم رضي الله عنه بعد صلح الحديبية وقبل فتح مكة بقليل، وقد عُرف عنه بالحكمة والفطنة وسداد الرأي حتى لقب بداهية العرب، وأرطبونها.
بعد أن فتح المسلمون بلاد الشام وتمكّنوا من تحرير بيت المقدس من سطوة الرّومان، فكّر القائد عمرو بن العاص رضي الله عنه بفتح بلاد مصر وذلك لأسباب عدّة، فقد هرب أرطبون بيت المقدس من فلسطين والتجأ مع عددٍ من أنصاره إلى مصر حيث وجد ملاذاً آمناً من السّلطة البيزنطيّة التي كانت تحكم مصر حينئذ.
كما أنّ موقع مصر الاستراتيجي يؤكّد على أهميّة فتحها وتأمينها من أجل تمكين الدّولة الإسلاميّة وتوسيع رقعتها، ومنع الهجمات التي يمكن أن تحصل من قبل البيزنطيّين على سواحل الجزيرة العربيّة ومركز الخلافة الإسلاميّة من خلال البحر الأحمر، كما شجع الوضع المضطرب في مصر المسلمين على دخولها من أجل إعادة الأمن والاستقرار إليها وكسب ودّ شعبها الذي عان الأمرّين من الحكم الرّوماني والبيزنطي الذي جثم على صدره عقوداً من الزمن، وكان متعطشاً لأن يحكم من خلال حكم إسلامي يعرف لكلّ ذي حق حقّه، ويساوي بين النّاس بشريعته الرّبانيّة ومنهجه الحكيم.
دخل عمرو بن العاص رضي الله عنه بجيشه الذي توجه به من الشّام سالكاً طريق السّاحل ومنطقة سيناء والعريش، وقد واجه مقاومة عنيفة من قبل البيزنطيّين وتحديداً عند وصوله إلى حصن بابليون، وقد كانت الإسكندريّة آخر معاقل البيزنطيّين التي فتحها في السّنة الواحدة والعشرين من الهجرة، وقد أعطى الفتح الإسلامي لمصر نموذجاً مثالياً في التّعايش بين جميع مكوّنات المجتمع ومهما اختلفت عقائدهم، ومثالاً في الأمن الاجتماعي والرّخاء الاقتصادي.