صاحب الهجرات الثلاث
صاحب الثلاث هجرات هو الصحابي الجليل مصعب بن عمير؛ فقد هاجر إلى الحبشة مرتين ومرةً ثالثةً إلى المدينة المنورة، وكان رحمة الله ليّن الطِّباع وحسن الخُلق وقد عُرفت عنه فصاحة اللسان والقدرة على الإقناع، فكلفه نبيّنا الكريم (صلى الله عليه وسلّم) بالذهاب إلى المدينة المنورة لتعليم المسلمين أمور الدين الإسلامي، ويقرأ عليهم القرآن الكريم، وكان عدد المسلمين في المدينة لا يزيد عن " 12" مسلماً، فكان يتردّد على المجالس والمنتديات يدعوا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة.
في إحدى هذه الزيارات دخل عليهم أسيد بن حضير سيد بني عبد الأشهل مُشهراً سيفه عليه مهدّداً له بالموت، فردّ عليه مصعب بكل ثقة وهدوءٍ : "ألا تجلس فإن رضيت أمرنا قبلته، وإن كرهته كففناك ما تكره؟" فسكت الرجل وأنصت للقرآن فرقّ قلبه، فكان للطف مصعب في التعامل مع هذا الرجل سبباً في إسلامه وإسلام عدد من أبناء عشيرته، فكان رحمه الله أول سفير في الإسلام.
إسلام مصعب بن عمير
كان مصعب بن عمير يَعيش حياةً رغدة بين أهله، وتعتني به والدته عنايةً كبيرةً، وكانت الدعوة الإسلامية؛ فكان اجتماع المسلمين ليقيموا الصلاة في بيت الأرقم بن أبي الأرقم، فتوجّه هذا الفتى إلى هذه الدار ورأى النبي (صلى الله عليه وسلم) يصلّي مع أصحابه، فأعلن إسلامه بعد أن نطق بالشهادتين، وكان في حينه عدد المسلمين لا يزيد عن أربعين رجل.
عندما علمت أمّ مصعب بإسلامه غضبت منه كثيراً فحبسته في ركن من أركان بيتها، فقد كانت أمّه شديدة الشكيمة وتتّصف بالعناد، فمنعت عنه الأكل والشرب، إلا أنّ ذلك لم يمنعه من إعلان إسلامه واستمرّ بالتردّد على دار الأرقم بن أبي الأرقم فكان يقول لأمه: "يا أمي إني لك ناصح وعليك شغوف فاشهدي أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله".
مصعب بن عمير مجاهداً
كان مصعب بن عمر مجاهداً شُجاعاً؛ فقد رُوي عنه في معركة أحد بأنّه حمل راية الإسلام عاليةً في الوقت الذي انشغل به بعض المسلمين بالغنائم فثبت في مكانه، فهجم عليه أحد كفار قريش وضربه بسيفه على يده اليمنى فقطعها فتناول مصعب الراية بيده اليسرى وهو يردد: "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل فنزلت الآية الكريمة " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ... إلى آخر الآية الكريمة"، وفي نهاية معركة أحد مضى النبي الكريم إلى تفقد الشهداء من المسلمين فوجد مصعب بن عمير من بين الشهداء ففاضت عيني رسولنا الكريم بالدموع.