يحتوي جسم الإنسان على نظام متكامل من الأوعية الدموية المختلفة من شرايين وأوردة وشُعيرات دموية، والتي تنقل الدم المُحمّل بالأكسجين والمواد الغذائية إلى أنسجة الجسم المختلفة، وتساعدها على التخلّص من ثاني أكسيد الكربون وفضلات الإنتاج، وذلك اعتماداً على قوّة ضخّ القلب للدم، ويُعرف هذا النظام بالجهاز الدوري،وفي الحقيقة يقوم القلب بمجهود مميّز في كل دقيقة من الوقت؛ حيث أنّه يعمل كمضخّة دائمة العمل لتوصيل الدم إلى جميع أجزاء الجسم للحفاظ على الحياة، ويقع القلب تحت القفص الصدريّ بين الرئتين بحيث يميل إلى اليسار قليلاً، وهو عبارة عن عضو عضليّ مجوّف بحجم قبضة اليد، ينقسم من الداخل إلى أربعة حجرات بحيث تقع حُجرتين على كلّ جانب، ويفصل بين الجانب الأيمن والأيسر جدار يُسمّى الحاجز (بالإنجليزيّة: Septum)،وتُعرف الحُجرات العلويّة بالأذينين، بينما تُعرف الحجرات السفليّة بالبُطينين، كما يحتوي القلب على أربعة صمامات تعمل على استمرار حركة الدم باتجاه واحد وعدم عودته للخلف مرة أخرى.
مكتشف الدورة الدموية
مكتشف الدورة الدموية الصغرى
يُعتبر علاء الدين القرشي، والمعروف باسم ابن النفيس أول من اكتشف الدورة الدموية، وكتب وصف منطقي لها،[٤] وقد وُلد الطبيب والعالم العربيّ ابن النفيس عام 1213 في مدينة دمشق، وبعد أن درس الطب في دمشق انتقل إلى مصر للعمل به هناك،وقد كان طبيب السلطان الشخصيّ أيضاً،[٤] وقد تُوفي عام 1288 في مدينة القاهرة، وفي الحقيقة برع ابن النفيس في كثير من المجالات وأهمّها؛ علم الوظائف والأعضاء، والطب، وطب العيون، وعلم الأجنّة، وقد برز دور ابن النفيس في اكتشاف الدورة الدموية الصُغرى أو كما تُعرف بالدورة الدموية الرئوية، بعد أن أثبت بالدلائل والبراهين العلمية صحّة وصفه للتدفّق الدمويّ خلال القلب والرئتين في الدورة الدموية، والذي عارض ما قدّمه بعض العلماء والباحثين القدامى من نظريات بخصوص الدورة الدموية.
وتجدر الإشارة إلى أنّ من أهمّ كتابات ابن النفيس بخصوص الدورة الدموية كانت تعليقاً وشرحاً على ما ورد في كتاب ابن سينا، وقد كان عبارة عن مخطوطة بعنوان شارح التشريح القانون وتم العثور عليها عام 1924 في ألمانيا؛ حيث تضمّنت الوصف الأول للدورة الدموية لابن النفيس،[٤] وقد بيّن ابن النفيس أنّ هناك اتصالات صغيرة مسامية بين الشريان الرئويّ والوريد الرئويّ، وفي الحقيقة تم اكتشاف طبيعة هذه الاتصالات باكتشاف الشعيرات الدموية الرئوية بعد 400 عام بواسطة العالم مارسيلو مالبغي، كما عارض ابن النفيس التصريح الذي يفيد بحصول القلب على التغذية الدموية من الجانب الأيمن، بل أنّ تغذية القلب تكون من الدم الذي يمرّ عبر الأوعية الدموية التي تتخلّل جسم القلب، وهذا ما كان بداية مفهوم التروية الدموية التاجية، وتجدر الإشارة إلى أنّ نظرية الدورة الدموية الرئوية احتاجت إلى أكثر من 2000 عام حتى ظهرت كما نعرفها اليوم.
مكتشف الدورة الدموية الكبرى
يُعتبر الطبيب الإنجليزي وليام هارفي الذي عاش خلال الفترة الزمنية الواقعة بين 1578 و1657، من اكتشف ونشر أول وصف دقيق للجهاز الدوري البشري، وبما أنّه كان الطبيب الشخصي للملك تشارلز الأول فقد استفاد من أفضل أنواع التعليم الطبي المتوفر آنذاك، فتوصّل إلى أنّ القلب عضلة جوفاء تتقلص بانتظام بهدف توفير القوة الدافعة لحركة الدم في الجسم، كما وضّح بطريقة رائعة آلية عمل الصمامات في الأوردة، الأمر الذي أثبت أنّ هناك اتجاه واحد للتدفّق الدمويّ الوريديّ نحو القلب،وقد ابتكر الطبيب وليام هارفي أفكاراً جديدة ومختلفة عن كيفية استخدام الجسم للدم؛ حيث أثبت أنّ كمية الدم في الجسم ثابتة وتدور بشكل دائم حول الجسم، ويتم تجديدها عن طريق مرورها عبر الرئتين وغيرها من الأعضاء، وعليه فقد أصبح وليام هارفي أحد مؤسسي الطب الحديث،ومن الجدير بالذكر أنّ العالم وليام هارفي قام بدراسة دقيقة للصدر توصّل من خلالها إلى أنّ القلب لم يُسخّن الدم بل قام بضخّه عبر الشرايين فقط، وبالرغم من عدم توفر المجهر آنذاك وعدم معرفته للطريقة الدقيقة التي ينتقل بواسطتها الدم من الشرايين إلى الأوردة، إلا أنّه قام بتخمين وجود أوعية دموية صغيرة جداً تقوم بذلك لم يستطِع هو رؤيتها، واستطاع هارفي نشر نظريته في كتاب بعنوان (حركة القلب والدم) في عام 1628، ولكنّ حياته المهنية كطبيب قد تأثرت سلباً إزاء ذلك نظراً لطبيعة أطباء عصره المحافظين والمقاومين للتغيير.
ما قبل اكتشاف الدورة الدموية
تحتاج النظريات العلمية الكثير من السنوات لتظهر وتتطوّر حتى يتم اكتشاف حقيقة الأشياء؛ حيث يحاول العديد من الباحثين العمل على تطوير هذه النظريات، وفي حين يضيف البعض القليل من الجهود، ويقدّم البعض الآخر مساهمات فذّة، بينما يفشل آخرون في إضافة أي جديد لها، وفي الحقيقة تُنسب النظرية عادةً لمن استطاع إثباتها بالحقائق، والتخلص من أكبر قدر من الشكوك حولها، وذلك من خلال ملاحظاته وتجاربه ومنطقه، وفي الواقع احتاج اكتشاف حقيقة الدورة الدموية في الجسم إلى عدّة مراحل تضمّنت آراء وتجارب العديد من العلماء والباحثين.
ولعلّ أهمّ النظريات السابقة حولها كانت من نصيب العالم اليوناني جالينوس الذي سيطرت نظرياته على الفكر الطبي لفترة طويلة تجاوزت 1400 سنة حتى أصبحت مقدّسة، وفي الحقيقة نظراً لمنع تشريح الأجسام البشرية وقتها فإنّ جالينوس استعان بالقرود والخنازير للحصول على المعلومات التشريحية والبحوث الوظيفية،[٦] وقد وتضمّنت محتويات النظرية كيفية مرور الطعام في القناة الهضمية وانتقاله إلى الكبد وهو المكان الذي يتم فيه تكوين الدم وفقاً للنظرية، ثم يتدفّق الدم إلى البطين الأيمن لينقل بعض الدم إلى الرئتين عبر الشريان الرئوي بهدف التغذية، بينما البعض الآخر إلى البطين الأيسر عبر مسامات غير مرئية في الحاجز البطيني، ليندمج الدم مع الروح القادمة من الهواء المُستنشق، ومن ثم يتم تسخين الدم وتوزيعه إلى باقي أجزاء الجسم، ولكن دون عودة هذا الدم إلى القلب مرة أخرى؛ حيث يقوم الكبد بتصنيع المزيد من الدم الجديد باستمرار، كما يتم إرسال فضلات الإنتاج من البطين الأيسر إلى الرئتين عبر الوريد الرئوي بهدف التخلص منها عبر الزفير.
كيفية عمل الدورة الدموية
يعمل الأذنين والبطينين بطريقة متناغمة معاً؛ حيث يتم تعبئة الأذنين في نفس الوقت، ثم يتم تفريغهما في البطينين، ليتم بعدها القلب بإخراج الدم منهما، في الوقت ذاته يتم تعبئة الأذينين مرة أخرى، وتُسمّى حركة الدم عبر القلب وحول الأجزاء المختلفة من الجسم بالدورة الدموية (بالإنجليزيّة: Blood circulation)، ويكون الجانب الأيسر من القلب هو المسؤول عن ضخّ الدم المحمّل بالأكسجين إلى الجسم، ومن ثم يحمل الدم ثاني أكسيد الكربون ويعود به إلى الجانب الأيمن من القلب، ليتم بعدها ضخّ الدم من البطين الأيمن إلى الرئتين؛ حيث يحدث تبادل الغازات عن طريق التنفس، ومن ثم يعود الدم إلى القلب من جديد لتكرار العملية المهمة للجسم، وتجدر الإشارة إلى أنّ هناك مجموعة من الشرايين المسؤولة عن تزويد القلب بالدم اللازم له كسائر الأعضاء في الجسم تُعرف بالشرايين التاجية.