الصيام ، الطاعات والقربات ، صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، مفهوم الصوام ، أنواع الصوم ، تعريف الصوم ،
الطاعات والقُربات
اقتضت حكمة الله -عزّ وجلّ- ورحمته أن تكون العبادات في الإسلام بكلّ مسمياتها جانبان؛ حيث يختصّ الجانب الأول بالعبادات المفروضة، التي يلزم المسلم المكلّف القادر بأدائها على وجه الوجوب العيني، ومن أمثلة ذلك: أداء الصلوات الخمس، وصوم شهر رمضان، وغيرها كأداء مناسك الحجّ، وإيتاء الزكاة عند استحقاقها، وقد توسّع التشريع الإسلامي في الجانب الثاني من العبادات إذ لم يحجر على المسلمين الطاعة والقُربى في العبادات المفروضة على وجهٍ مخصوصٍ فقط؛ بل شرّع لهم أبوابها على سبيل الاستحباب لا الوجوب؛ إذ إنّ في الإسلام كثيراً من الطاعات الأخرى من نوع الطاعات المفروضة، فجاء مثلاً استحباب أداء صلوات السنن الرواتب، وصلاة الضحى، وصلاة التراويح والقيام، وغيرها، وفي باب الصيام جعل الإسلام باب صيام التطوع واسعاً، وخصّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- صيام بعض الأيام بالفضل أكثر من غيرها، ومن ذلك صيام ثلاثة أيام من كلّ شهرٍ قمري، ويتساءل بعض المسلمين عن هذا الصيام، وهل يقصد به صيام الأيام البيض دون غيرها من أيام الشهر؟
حكم وفضل صيام ثلاثة أيامٍ من كلّ شهرٍ
تناول الفقهاء مسألة صيام ثلاثة أيامٍ من كلّ شهرٍ وأوضحوها، وقد جاء بيانهم لحكمها وفضلها على النحو الآتي: ذهب أهل العلم إلى استحباب صيام ثلاثة أيامٍ من كلّ شهرٍ؛ امتثالاً لأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- واقتداءً بسنته الشريفة، وباستقراء الأحاديث النبوية التي وردت بشأن الحثّ على الصيام الشهري، وجد العلماء أنّ استحباب الصيام من كلّ شهرٍ يأخذ في التّشريع شكلين اثنين، هما:
الأول: استحباب صيام ثلاثة أيامٍٍ من كلّ شهرٍ دون تخصيص أيامٍ معينة، وجاء في فضل ذلك أحاديث نبوية كثيرة، منها، قول أبي هريرة رضي الله عنه: (أوصاني خليلي بثلاثٍ، لا أدعُهنَّ حتى أموتَ: صومُ ثلاثةِ أيامٍ من كلِّ شهرٍ، وصلاةُ الضحى، ونومٌ على وِترٍ)، وعندما سئِلت السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن صيام النبي -عليه السلام- كلّ شهر، قالت: (لم يكن يُبالي من أيِّ أيامِ الشهرِ يصومُ)، حيث استدلّ العلماء بهذا الحديث على تحقّق سنّة الصيام كلّ شهرٍ دون تخصيص؛ إذ إنّ الأمر فيه متّسع.
الثاني: تخصيص صيام الأيام البيض من كلّ شهرٍ، وهي التي تحلّ عند اكتمال القمر في الأشهر القمرية، والالتزام بهذه الأيام هو الأفضل عند العلماء، حيث جاء في الحديث أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (إذا صُمتَ شيئًا منَ الشَّهرِ فصُم ثلاثَ عشرةَ، وأربعَ عشرةَ، وخمسَ عشرةَ)، وقد وردت تسمية هذه الأيام بالأيام البيض على لسان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذ قال: (وأيَّامُ البيضِ: صبيحةَ ثلاثَ عشرةَ، وأربعَ عشرةَ، وخمسَ عشرة)
مفهوم الصوم وأنواعه
يحسن بالمسلم أن يقف على المعنى الاصطلاحي للصيام، وأن يتعرف على أنواعه المشروعة ومرتبتها في التّشريع.
تعريف الصوم
يأتي تعريف الصوم في اللغة والاصطلاح الشرعي على النحو الآتي:
الصيام لغةً: هو مأخوذٌ من أصلٍ ثلاثي هو صَوَمَ، ويدلّ على الإِمساك والامتناع عن شيء ما، ومنه إمساك الصائم عن كلّ ما يمنع عنه في الشرع، وفي لغة العرب يطلق الصوم على الإِمساك عن الكلام والتزام الصمت
الصيام في الاصطلاح الشرعي: هو إمساكٌ مخصوصٌ عن الأكل والشرب، والجِماع، وسائر المفطرّات الأخرى من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، شريطة استحضار النيّة، وهي عبادةٌ فرضها الله -عزّ وجلّ- على جميع الأمم من لدن آدم -عليه السلام- وانتهاءً بأمّة النبي محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- حيث يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
أنواع الصوم
الصوم في التشريع الإسلامي يتفرّع إلى عدّة أنواعٍ، وقد رتّب العلماء أبوابه تحت أقسامٍ أربعةٍ، وبيانها فيما يأتي:
النوع الأول: الصوم الذي فرضه الإسلام على كلّ مسلمٍ قادرٍ، وينصرف هذا المعنى إلى صيام شهر رمضان الفضيل، وله وجهان، الأداء وهو الأصل، والقضاء وله أحكامه.
النوع الثاني: الصوم الواجب في حقّ من لزمته كفارةٌ؛ حيث أوجب الشرع الكفارات على الحالات الآتية:
الصيام فديةً على الحاج في بعض الحالات، كما أنّ من لم يجد الهدي يلزمه صيام ثلاثة أيامٍ في مكة المكرمة، وسبعةٍ بعد رجوعه إلى أهله.
الصيام في كفارة قتل الخطأ، حيث يلزم من لم يجد رقبة مؤمنة ليعتقها أن يصوم شهرين متتابعين.
الصيام ثلاثة أيامٍ في كفارة اليمين لمن عجز عن الإطعام أو الكسوة أو تحرير رقبة.
يجب الصيام جزاءً لقاتل الصيد في الإحرام ضمن شروطٍ وضوابط وضّحها أهل الفقه.
كفارة الظِهار، حيث يجب في حقّ فاعله صيام شهرين متتابعين إذا لم يجد رقبةً مؤمنةً يعتقها.
الذي جامع زوجته في نهار رمضان يلزمه صيام شهرين متتابعين إذا لم يجد رقبةً مؤمنةً.
النوع الثالث: الصوم الواجب بالنذر؛ فالمسلم المكلّف يجب عليه الصيام بما ألزم نفسه به لله تعالى على وجه النذر، حيث يقول رسول الله عليه الصلاة والسلام: (من نذر أن يُطِيعَ اللهَ فلْيُطِعْهُ، ومن نذرَ أن يعصِيَه فلا يَعْصِه) النوع الرابع: صيام التطوّع، وهو ما كان خارج وقت شهر رمضان، وهو من القُربات التي يُؤجَر عليها العبد المسلم، وأبوابه واسعةٌ، وشواهده كثيرةٌ، ومن ذلك: صيام الأيام البِيض، أي: اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كلّ شهر قمريّ، وصيام يومي الإثنين والخميس من كلّ أسبوعٍ، وصيام ستّة أيّامٍ من شوّال، وكذلك صيام يوم عرفات الذي يوافق اليوم التاسع من ذي الحِجّة، وكذلك صيام العاشر من شهر مُحرّم، يوم عاشوراء.