ما أجمل هذا السؤال حين نقف أمام الجمال الرباني الذي يكاد ينخلع الفؤاد له و ينتاب الجسم قشعريرة من شدة عظمته صلي الله عليه و علي أله و صحبه وسلم.
كان حبيبي -صلى الله عليه وسلم- أزهر اللون (أي لونه في لون الزهر الوردي) ، لا هو بالأبيض الأمهق (شديد البياض كأّنه برص) ولا هو بالآدم (الأسمر الأدهم).
و كان حبيبي -صلى الله عليه وسلم- ، ربعة من القوم (أي وسطاً) لا هو بالطويل المفرط الطول و لا بالقصير المفرط القصر ، غير أنه إلى الطول أقرب منه للقصر ، لكنه إذا مشى بجانب أحداً من الناس و لو طويلاً طاله (أي إذا مشى إلى جانبه رجل و لو كان طويل القامة فإنه بأبي هو و أمي يظهر أطول منه).
و كان حبيبي -صلى الله عليه وسلم- متناسق الجسم معتدل الخلق منتظم الأعضاء حسن القوام.
و كان حبيبي -صلى الله عليه وسلم- أسيل الوجه و الخدين لا هو بالمستدير المكتمل التدوير و لا بالطّويل بل بين هذا و ذاك ، كأن وجهه الشمس في نورها و القمر في ضيائه ، مليح الوجه كأنما وجهه الفضة و اللجين ، فإذا سره أمر استنار وجهه كأنما يتلألأ منه الجوهر في ضوء القمر.
يعرف رضاه و غضبه و سروره في وجهه ، و إذا غضب در عرق في منتصف جبهته من الغضب ، و احمر وجهه كأنما فقئ فيه حب الرمان ، و إذا سر و فرح تلألأ وجهه فكأنما أشرقت الدنيا بأسرها و أضاءت.
و جبينه مستوٍ عريض جلي بين واسع الجبين ، إذا رأيت جبينه بين الشعر بارزا كأنما ترى سراجا متوقدا يتلألأ.
أبيض الخدّين مليئهما.
و حاجباه مقوسان قويان بينان ، يتصلان اتصالاً خفيفاً لا يظهر للرائي ، كأنهما مرسومان.
و عيناه سودوان شديدتاً سواد الحدقة ، أشكل (أي: بياضهما مشرب بحمرة خفيفة في عروقهما) ، أحور (شديد بياض بياضهما شديد سواد سوادهما) طويل الأهداب ، جميل العين ، أدعج أكحل إذا نظرت إليه ظننته يكحلهما و إن لم يمس الكحل.
و أنفه إذا نظرت إليه ظننته أشم (أي عالي الأنف) و ليس بأشم ، بل هو مستقيم ، أقنى (أي طويل في وسطه علو) ، دقيق الأرنبة (أي طرف الأنف الرقيق).
ضليع الفم (أي واسعه في جمال) لطيف الشفتين لا هما بالرقيقتين و لا بالغليظتين ، و من أحسن خلق الله ختم فم ، أي إذا أطبق شفتيه بأبي هو و أمي ما رأيت شيئا أحسن منهما على تلك الصفة ، فإذا تكلم رئيت النور يخرج من بين ثناياه ، أشنب أي مفلج الأسنان أبيضها ، كل سن مفارق لما يليه في حسن ، مع انتظامها ، و ريقه شفاء و دواء و غذاء و قوة و بركة و رواء كأنما هو الشهد ، ليس لفمه خلوف (أي لا تتغير رائحته) و لا لفم من ذاق ريقه ، و قد دخلت عليه عميرة بنت مسعود الأنصارية و أخواتها يبايعنه و هن خمس ، فوجدنه يأكل قديداً ، (لحم مجفّف) ، فمضغ لهن قديدة ، ثم ناولهن فقسمنها بينهن ، فمضغن كل واحدة قطعة ، قالت عميرة: فلقين الله تعالى و ما وجد لأفواههن خلوف.
و كان عليه الصلاة والسلام حسن اللحية كثها ، وعنفقته (الشعر الذي تحت الشفة السّفلى) بارزة مسترسلة متصلة باللحية ، فيها شعرات قليلة بيضاء عدتهن سبعة عشر شعرة ، لم يخضبها قطّ و يحسنها ويطيبها ويسرحها فلا يتركها تشعث.
شعره أسود شديد السواد ، لا هو مسترسل سبط كشعور الروم و لا هو مجعد قطط كشعور السودان ، بل وسط بينهما كهيئة المتمشط لتوه ، يرسله إلى شحمتي أذنيه ، و قد يصل لما بين أذنيه ، و إلى عاتقه ، و قد يبلغ منكبيه إذا أطاله ، و لم يحلقه (أي بالموس) إلا في النسك ، أي في الحديبية و في عمرة القضاء و في حجة الوداع ، و كان كثير شعر الرأس كثيفه ، يدهنه و يرجله ، و كان يرسله ثم صار يفرقه ، و قد يجمعه فيظفره ظفائر.
و كان طويل العنق ، صافيه كأنما عنقه إبريق فضة.
عريض ما بين المنكبين، عريض أعلى الظهر، عريض أعلى الصدر، عظيم الكتفين و العظام ، لم تعبه ثلجة أي كان ضامر البطن لم يعبه كبر البطن ، لا هو بالسمين و لا بالنحيل ، أشعر أعلى الصدر (عليه شعر كثيف) ، عاري الثديين و البطن (أي ليس عليهما شعر كثيف) طويل المسربة أي الشعر الدقيق المسترسل من الصدر إلى البطن فهو دقيق ذلك الشعر مسترسله كأنه خيط يجري من صدره إلى سرته.
أبيض الإبطين ليس لونهما بمختلف عن لون بدنه.
طويل الذّراعين قويّهما، واسع الكفّين ممتلئهما، ليّنهما كأنّهما من حرير بل ألين، ريحهما عطر كأنّه أخرجهما من جونة عطّار، إذا صافح الرّجل بقي ريح يده في يد الرّجل أيّاما، سائل الأطراف طويل الأصابع.
ساقاه بيضاوان جميلتان معتدلتان لا كبيرتين ولا صغيرتين، خمصان الأخمصين أي يرتفع أخمصاه وهما وسط القدم الّذي يكون مرتفعا عن الأرض فلا يلمسها إذا وضعتها عليها، مسيحهما أملسهما ليس فيهما تكسّر ولا اعوجاج، تشبه قدمه قدم إبراهيم عليه السّلام المطبوع أثرها على الحجر في المقام عند الكعبة، وكان منهوس العقبين أي دقيقهما والعقبان مؤخّر القدم.
وليس في الدّنيا أطيب من رائحة عرقه كأنّما هو المسك يتحدّر منه كاللّؤلؤ، نام في بيت أنس بن مالك رضي الله عنه مرّة فجاءت أمّ سليم فأخذت من عرقه فجعلته في قارورة عندها، فكانت تجعله في الطّيب فيتسابق نساء المدينة ليأخذوِا من ذلك الطّيب الّذي ما شمّوا مثله قطّ وإنّما هو عرق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
في صفاته ّالمؤلفاّت الضخام التي ينشرح الصدر عند قراءتها و الوقوف أمامها و لا نستطيع أن تحصيها وإنّما اكتفينا بوصف جسمه الشّريف، وتركنا الكثير من صفات هديه في كلامه وضحكه وتبسّمه ومزاحه ونومه وعطاسه وسعاله وحركته ومشيه وغير ذلك ...
اللهمّ صلّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله وسلّم تسليما كثيرا.