حجّ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام حجّةً واحدةً في حياته وقد سمّيت بحجّة الوداع حين عزم النّبي على أداء مناسك الحجّ، وخرج من المدينة المنوّرة ومعه مئة ألفٍ من صحبه في السّنة العاشرة للهجرة بعد فتح مكّة، وقد توجّهت قلوب المسلمين نحو مكّة ملبّيةً مكبّرةً لله تعالى، وعندما دخل النّبي الكريم مكّة طاف بالبيت الحرام واستلم الحجر الأسود، ثمّ صلّى ركعتين وأدّى المناسك كلّها، وفي اليوم الثّامن بات النّبي الكريم في منى حتّى إذا أشرقت شمس يوم عرفة صعد النّبي صلّى الله عليه وسلّم على صعيد عرفات ووقف فيها خطيبًا في النّاس، وقد اهتزّت قلوب المؤمنين ومشاعرهم وهم يسمعون هذه الخطبة المهيبة من رسول الله فذرفت دموعهم ووجلت قلوبهم حين أدركوا أنّ هذه الحجّة وهذه الخطبة المباركة سوف تكون آخر خطبةٍ للنّبي الكريم وآخر موعظةٍ له بين أصحابه.
وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم في حجّة الوداع
ومن بين الأمور الّتي ذكّر النّبي عليه الصّلاة والسّلام المسلمين بها: حرمة دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وحرمة أن يعتدي المسلمون على بعضهم البعض، وشبّه الحرمة هذه بحرمة المسجد الحرام وحرمة الشّهر الفضيل الّذي كانوا فيه. كما بيّن النّبي الكريم عليه الصّلاة والسّلام حرمة الرّبا، وأنّ كلّ ما جاء من مال الجاهليّة فهو موضوع، وقد بيّن أنّ أوّل مالٍ سوف يضعه مال عمّه العبّاس بن عبد المطّلب.
وقد وصّى النبيّ الكريم رجال الأمّة بالنّساء خيرًا، وبيّن حقوقهنّ وواجباتهنّ؛ فعلى الرّجل نفقتهنّ وكسوتهنّ، وعليهنّ أن يطعن أزواجهنّ بأن لا يُدخلن بيوتهنّ أحدًا من دون إذنه وأن لا يأتين بفاحشةٍ مبينة. كما بيّن النّبي الكريم أنّ الزّمان قد عاد واستدار كما بدأ يوم خلقت السّموات والأرض، من بعد أن عبث الجاهليّون فيه وكانوا يؤخّرون الشّهر الحرام لغايةٍ في نفوسهم.
كما أوصى النّبيّ الكريم المسلمين في هذه الخطبة بالتمسّك بأمرين لن تضلّ الأمّة إذا ثبتت على التّمسك بهما وهما: كتاب الله تعالى وسنّة نبيّه الكريم. وقد كان النّبيّ الكريم عليه الصّلاة والسّلام وبعد كلّ موعظةٍ وتذكير يقول للمسلمين ألا هل بلّغت، ثمّ يقول: اللهمّ فاشهد، وهذا يدلّ على حرص النّبي عليه الصّلاة والسّلام على مهمّة التّبليغ التي أوكل بها من قبل ربّه سبحانه وتعالى وشفقته بهذه الأمّة الّتي حرص على تبيان كلّ شيءٍ لها فأكمل الدّين برسالته وسنّته ونصح الأمّة.