مثّلت غزوة تبوك منعطفاً كبيراً ومهمّاً في تاريخ الدّولة الإسلاميّة؛ حيث أعطت لأمة الإسلام هيبةً إضافيَّةً في نفوس أعدائها، وبعد تلك المعركة أصبح للإسلام والمسلمين موقع بارز على خارطة العالم، فأصبح المسلمون أمّةً يُمثّلون قوَّةً من القوى العظمى المؤثّرة في المشهد السّياسي، وقد كانت غاية النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- من هذه الغزوة بثّ الرّعب في صفوف الرّومان والإمبراطوريّة البيزنطيّة التي كانت تُسيطر في ذلك الوقت من خلال حلفائها على بلاد الشّام حتى يُدرك الرومان والبيزنطيون من يُواجهون، وأنَّ المسلمين بقيادة النبي -صلى الله عليه وسلم- وباتّباعهم لله ولدينه أصبحوا هم الذين يُديرون الأحداث لا سواهم.
أسباب غزوة تبوك
كانت الروم في تلك الفترة التي حدثت فيها غزوة تبوك وما قبلها أعظم قوةٍ على وجه الأرض، وقد عزَم قائد الروم يُعِدُّ العُدّة لمواجهة المسلمين وقتالهم في المدينة المنورة، وقد سبق لهم أن قتلوا رسول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي بعثه إليهم برسالة الإسلام، فوصل إلى النبي خبر تجهيز الروم لجيشهم بهدف غزوهم وإبادتهم في المدينة، فما كان منه إلّا أن أمر المسلمين بالاستعداد لقطع الطريق على الروم ومهاجمتهم قبل أن يأتوا إليهم في المدينة، وقد نفَّذ الصحابة أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على وجه السرعة فاستعدوا للخروج وجهزوا جيس المسلمين في غضون أيام معدودة، ولم يتخلَّف منهم إلا جماعةٌ من أصحاب الأعذار كالمرضى والفقراء الذين لم يجدوا ما يحملهم لأرض المعركة، وقد استعمل النبي -صلى الله عليه وسلَّم- على المدينة محمد بن مسلمة، حتى لا تبقى المدينة دون قائدٍ يُراعي أمورها، واستخلف علي بن أبي طالب على أهله، فلم يُعجب علياً أن يقعد مع النساء والعجزة والمرضى، فأراد الخروج مع النبي؛ إلّا أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم منعه من ذلك وقال له: (ألا ترضى أن تكونَ منِّي بمنزلةِ هارونَ من موسى)، وتخلَّف كذلك المنافقون جميعهم، وكان غالبهم معروف النفاق؛ إلّا أنّ هذه الغزوة كشفتهم على حقيقتهم وأظهرت نفاقهم للملأ حتى لا يبقى في قلب مؤمنٍ شكٌ في نفاقهم؛ لذلك سُميت غزوة تبوك بالفاضحة كما أُشير سابقاً.
تاريخ غزوة تبوك
حدثت غزوة تبوك في شهر رجب المُحرَّم من العام التاسع لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان وقوعها تحديداً بعد عودة النبي وأصحابه من حصار الطائف بما يقارب ستة أشهر، أمّا الموقع الذي حصلت فيه الغزوة تحديداً فقد كان بالجهة الشمالية للحجاز جهة الشام؛ حيث تبعد عن الحجاز ما يُقارب 1252كم، وكان يسكنها في ذلك الوقت قوم قُضاعة، وقد كانت تتبع في حينها للروم من حيث السيادة.