الوَحي والوحاء: السرعة، ومنه قَوْلهم: الوحاء الوحاء: أي السرعة السرعة، والوحي من الله عز وَجل ثَنَاؤُهُ: نبأ وإلهام، وَمن النَّاس إِشَارَة، قَالَ الله جلّ وعلا: (وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ). وَقَالَ فِي قصَّة زَكَرِيَّا عليه السلام: (فَأَوْحَىَ إِلَيْهِمْ أَن سَبّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً). وَيُقَال: وحى وَحيا إِذا كتب ووحى فِي الحجر إِذا كتب فِيهِ. وأصل الْوَحْي: الْكِتَابَة فِي الْحِجَارَة.
تعريف الوحي في الشرع
الوحي اصطلاحاً هو: الإعلام بسرعةٍ وخفاء، وينقسم الوحي إلى نوعين هما: وحي الإلهام ووحي الإرسال، فوحي الإلهام هو: إلهام الله لبعض المخلوقات ببعض الأمور، ومثال ذلك قوله تعالى: (وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ). أي: ألهمها أن تصنع من الجبال بيوتاً تأوي إليها وتجمع فيها العسل، وقوله تعالى أيضاً: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ)، فقد ألهم الله سبحانه وتعالى أم موسى أن تعمل بولدها ما عملت حين ولدته لتنجيه من فرعون وجنوده حيث سبق أمر الله بذلك، فألهمها حسن التنفيذ لينفذ قدر الله، وقد كان فرعون يقتِّل الذكور من قومه؛ خشية أن ينزعوا منه سلطانه، وكان ذلك سبباً لنجاة موسى من فرعون وجنوده، إذ وقع بعد ذلك في يد زوجة فرعون التي طلبت أن تربيه عوضاً عن فقدها للأولاد، وأما وحي الإرسال فالمراد به: أن ينزل جبريل عليه السلام إلى الرسل والأنبياء لينقل إليهم ما كلّفهم الله به من شرائع.
وقيل إنّ معنى الوحي اصطلاحاً هو: الوسيلة والصلة بين الله تعالى وبين رسله وأنبيائه التي يوصل الله تعالى بها إليهم ما يريد إيصاله من علم وحكم وأمر ونهي وإرشاد وتشريع وغير ذلك. ومما يشير إلى هذا المعنى قوله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ)، وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ)، وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ).
صور الوحي
لم يكن نزول الوحي إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والأنبياء والرسل قبله مستقراً ثابتاً على هيئةٍ واحدة، بل كان يأتيهم على عدة صورٍ وهيئات، ومن تلك الصور والهئيات التي كانت أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم خصوصاً ما يلي:
تكليم الله تعالى لمحمد من وراء حجاب: ويكون ذلك دون وساطةٍ أو وسيلةٍ أو أي شيءٍ من ذلك، ويكون ذلك وهو مستيقظٌ واعٍ كما حصل مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج، أو يكلمه أثناء نومه كما في قول المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث الذي يرويه عنه عبدالله ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه قَالَ: (أَتَانِي رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ -أي: في المنام- فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْتُ: رَبِّ لَا أَدْرِي ...).
النفث في الروع: والمقصود بذلك ما يقذفه الله في قلب الموحَى إليه مما يريده الله تعالى إيصاله له من أحكام أو أوامر أو غير ذلك، ودليل ذلك قول الله سبحانه تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ). وكذلك ما رواه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنّ النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (هَلُمُّوا إِليَّ. فأَقبَلُوا إليه فجَلَسُوا، فقال: هذا رسولُ ربِّ العالمِينَ؛ جِبريلُ نَفَثَ في رُوعِي: إنَّه لا تَموتُ نفسٌ حتى تسْتكمِلَ رِزْقَهَا وإنْ أبطأَ عليهَا، فاتَّقُوا اللهَ؛ وأجْمِلُوا في الطَّلَبِ، ولا يحْمِلَنَّكم اسْتِبْطاءُ الرِّزقِ أن تَأخذُوهُ بِمعصيةِ اللهِ، فإنَّ اللهَ لا يُنالُ ما عِندَه إلا بِطاعتِه). والمقصود بقوله صلى الله عليه وسلم (في رُوعِي) أي ألقى الوحي في خلَدي وبالي أو في نفسي أو قلبي أو عقلي من غير أن أسمعه أو أن أراه.
الرؤيا الصادقة: فمن طرق الوحي كذلك أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم ما هو مأمورٌ به بطريق المنام أو الرؤيا الصادقة، وقد كانت هذه الصورة أول صور الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: (كانَ أوَّلُ ما بُدئَ بهِ رسولُ الله صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ منَ الوحيِ الرُّؤيا الصَّادقةَ في النَّومِ فَكانَ لا يرى رؤيا إلَّا جاءَت مثلَ فلقِ الصُّبحِ ثمَّ حُبِّبَ إليهِ الخلاءُ فَكانَ يخلو بغارِ حراءٍ يتحنَّثُ فيهِ -وَهوَ التَّعبُّدُ- اللَّياليَ أولاتِ العددِ قبلَ أن يرجعَ إلى أهلِهِ ويتزوَّدُ لذلِكَ ثمَّ يرجعُ إلى خديجةَ فيتزوَّدُ لمثلِها حتَّى فَجئَهُ الحقُّ وَهوَ في غارِ حراءٍ فجاءَهُ الملَكُ فقالَ اقرَأ قالَ قلتُ ما أنا بقارئٍ قالَ فأخذَني فغطَّني حتَّى بلغَ منِّي الجَهْدَ ثمَّ أرسلَني فقالَ اقرأ ...). وقال عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ -وهو من كبار التابعين-: (رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ ثُمَّ قَرَأَ (إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ)).
الوحي عن طريق جبريل عليه السلام: وكان جبريل عليه السلام يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من صورةٍ منها:
أن يأتيه على صورته الحقيقية التي خلقه الله عليها، فعن مسروق أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن قوله تعالى (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ)، وقوله (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى) فَقَالَتْ : (أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنْ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ).
أن يأتيه في مثل صلصلة الجرس، لحديث عائشة رضي الله عنها أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: (يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ). والصلصلة هي صوت الحديد إذا تحرك، والمراد من ذلك تحديداً أنّه صلى الله عليه وسلم يسمع صوتاً متدارِكاً فلا يثبته عند أول ما يقرع سمعه حتى يتفهّم، ويستثبت، فيتلقّفه حينئذٍ ويعيه.
أن يتمثل له على هيئة رجل، وكان عندما يتمثل يتّخذ هيئة الصحابي الجليل دحية الكلبي رضي الله عنه، حيث كان رجلاً حسن الهيئة وضيء الوجه.