بعدما حجّ النبي -صل الله عليه وسلم- حجة الوداع"الحجة الأولى و الأخيرة " التي أخبر فيها أمته بأمور دينهم و كانت بمثابة مؤتمر عالمي وقف عليه الصلاة و السلام و تلا عليهم قوله تعالي :
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِۦ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا۟ بِٱلْأَزْلَٰمِ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلْإِسْلَٰمَ دِينًا فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ .
" لما سمع أبو بكر كلام النبي بكى بكاءاً شديداً فسألوه "ما يبكيك يا أبا بكر ؟" فقال : و هل بعد التمام و الكمال إلا موت الحبيب و قبل وفاة الرسول بتسعة أيام نزلت آخر آية من القرآن الكريم :
وَٱتَّقُوا۟ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ .
و من بعد حجته بدأ الوجع يظهر عليه ؛ فذهب ليزور شهداء اُحد و قال لهم : السلام عليكم يا شهداء اُحد , أنتم السابقون و إنا ان شاء الله بكم لاحقون و إني ان شاء الله بكم لاحق. كل هذا تمهيد لوفاته _صلي الله عيه وسلم_
قبل وفاة الرسول بثلاثة أيام اشتد عليه الألم و أصابته حمى شديدة جداً فقال :"اجمعوا زوجاتي" تعلمون لماذا..؟
جمعهم ليقول لهم "أتأذنون لي أن أمرض في بيت عائشة -لطفه وتعامله مع زوجاته -صلى الله عليه وسلم و كان في بيت السيدة ميمونة رضي الله عنها فحملوه إلأي بيت عائشة و هو يجرّ رجليه في الأرض من التعب الذي أصابه وقتها لما رأوه الصحابة اصيبوا بالهلع
و خافوا كيف رسول الله تعِب ؟
اجتمعوا بالمسجد و صاروا يتحدثون و كانت غرف زوجات النبي مفتوحة على المسجد فسمع أصواتهم لأنهم كانوا يتكلمون بصوت عالي و قال:"ماهذا..؟" فقالوا له :"يخافون عليك يا رسول الله فقال : "احملوني لهم".
كان يريد ان ينهض فما استطاع حتى اسندوه الصحابة و كان يريد ان يصعد المنبر فما استطاع فتوقف عند آخر درجه و قال خطبته المشهورة:
" يا أيها الناس موعدكم معي ليس الدنيا , موعدكم معي عند الحوض والله لكأني أنظر إليه من مقامي هذا , أيها الناس ، والله ما الفقر أخشي عليكم و لكني اخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها كما تنافسها الذين من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم.
ثم قال: (أيها الناس ,الله الله في الصلاة,الله الله في الصلاة بعدها قال : "أيها الناس إني عبداً خيره الله بين الدنيا و ما عند الله ؛ فاختار ما عند الله" وقبل ما ينزل الرسول دعا لأمته آخر دعوة قال فيها : "أواكم الله , حفظكم الله , نصركم الله ، ثبتكم الله , أيّدكم الله بعدها حُمل الى بيته فدخلت عليه فاطمة بنت النبي , و بكت بكاءاً شديداً , كان يقبّلها بين عينيها كلما أتت"فقال عليه الصلاة و السلام:"أدنو مني يا فاطمة" فحدثها النبي في أذنها فبكت اكثر فلما بكت قال النبي :"أدنو مني يا فاطمة"وحدثها في إذنها فضحكت بعد وفاته سألوها ماذا قال لك النبي..؟
قالت : المرة الأولى قال لي"يا فاطمة إني ميت الليلة" فبكيت فلما وجدني أبكي فقال":يا فاطمة انتي أول أهلي لحاقاً بي" فضحكت بعدها قال الرسول :"اخرجوا من عندي في البيت , و أدنو مني يا عائشه" و نام على صدرها و رفع يده للسماء و قال : "بل الرفيق الأعلى , بل الرفيق الأعلى" و بعدها دخل عليه جبريل و قال له : "يا رسول الله ملك الموت بالباب يستأذن ان يدخل عليك , و ما استأذن أحداً من قبل وقف ملك الموت عند رأس النبي و قال : "أيتها الروح الطيّبة , روح محمد بن عبدالله , اخرجي الى رضا من الله و رضوان و رب راضٍ غير غضبان تقول السيدة عائشة:
"فسقطت يد النبي و ثقلت راسه في صدري فعرفت أنه مات تقول من شدة الموقف ما عرفت ماذا افعل فما كان مني غير ان خرجت من حجرتي و فتحت بابي الذي يطل على المسجد و اقول : مات رسول الله. مات رسول الله" فانفجر المسجد بالبكاء و كان اثبتهم أبو بكر دخل على النبي و احتضنه و قال : "واخليلاه ، واصفياه ، واحبيباه ،وانبياه" وقبّل النبي _صلى الله عليه وسلم_ و صعدت أطهر روح إلي خالقها.