حرصت الشّريعة الإسلاميّة على بقاء المساجد عامرة بروّادها من خلال التّأكيد على ثواب صلاة الجماعة في المساجد.
فضائل الصلاة في المسجد
ممّا لا شكّ فيه أنّ صلاة الجماعة لها آثار طيّبة كثيرة سواء على مستوى الفرد أو المجتمع، فعلى مستوى الفرد فإنّ المسلم يتحصّل على الأجر المضاعف في ذهابه إلى المسجد؛ لأنّه ساهم في تعميره وتكثير سواد المصلّين فيه، كما يكون في المشي إلى المساجد تكفير الحسنات ورفع الدّرجات، وقد بشّر النّبي عليه الصّلاة والسّلام المشّائين إلى المساجد في الظّلمات بالنّور التّام يوم القيامة.
أمّا على مستوى المجتمع الإسلامي فإنّ للصّلاة في المساجد آثارها الطّيبة فهي تحقّق مبادىء التّكافل والتّعاون بين المسلمين، حيث يجتمعون في مواعيد الصّلوات الخمس ويتواصون فيما بينهم بالخير والحقّ، ويكون الاجتماع في المساجد فرصة لتفقّد المساكين وأهل الحاجة من المسلمين وجمع التّبرعات والصّدقات لهم والحثّ عليها.
كما أنّ الصّلاة في المساجد تصنع المحبّة والودّ بين المسلمين، وتبعث برسائل طيّبة للصّديق والعدو. إنّ المسلمين في حياتهم وتعاملاتهم وردعهم لأعدائهم هم كحالهم في المساجد عندما ترى صفوفهم متراصّة كالبينان المرصوص.
حكم الصّلاة في المساجد
اختلف علماء المسلمين في حكم الصّلاة في المسجد، فمنهم من قال بأنّها واجبةٌ على التّعيين، بمعنى أنّها واجبٌ على كلّ فردٍ مسلم يسمع نداء الصّلاة بحيث أنّه يؤثم على عدم الخروج إليها وإقامتها مع المسلمين، ويتبنّى هذا الرّأي طائفةٌ من الحنفيّة وأغلب الحنابلة، ومن الأدلّة التي يستندون عليها ما ورد من الأحاديث الصّحيحة ومنها قوله عليه الصّلاة والسّلام: "وَالّذي نَفْسي بيدَهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بحَطَبٍ فيحتطب، ثُمَّ آمُرُ بالصَّلاةِ فَيُؤدَّنُ لهَا، ثُمَّ آمُرُ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفُ إلى رجَالٍ " لا يَشْهَدُنَ الصَّلاة " فأُحَرِّقُ عَلَيهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالّذي نَفْسي بيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنّهُ يَجِدُ عَرْقاً سَمِيناً أَوْ مِرْمَامتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ " مُتّفقٌ عَلَيْهِ وَاللّفْظُ للْبُخَاريِّ.
كذلك يستدلون بحديث النّبي عليه الصّلاة والسّلام يوم أتاه رجلٌ أعمى يستأذنه في أن يصلّي في بيته فأذن له، ثمّ لما همّ الرّجل بالرّجوع نادى عليه النّبي، وقال له: أتسمع النّداء، فلبّي إذن، وهناك من يرى من العلماء أنّ صلاة المسجد هي فرضٌ على الكفاية ويتبنّى هذا الرّأي الشّافعيّة ويستدلون على ذلك بتفضيل النّبي عليه الصّلاة والسّلام صلاة الجماعة على صلاة الفرد بسبعة وعشرين درجة، وهذا يدلّ على جواز الصّلاتين سواء مفردًا أو جماعة، ومن العلماء من استثنى جار المسجد لأنّه لا عذر له بالتّخلف عنها لقرب المسافة.