العمل بالقرآن الكريم
ثواب قراءة القرآن
فضائل بعض السور القرآنية
أشكال هجر القرآن الكريم
ورد عن علماء اللغة أنّ لفظ القرآن مصدرٌ من الفعل قرأ،وقد جاء تعريف القرآن الكريم اصطلاحاً بحسب العلماء: أنّه كلام الله -تعالى- المُنزل على نبيّه محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، المُعجز بلفظه ومعناه، المُتعبّد بتلاوته، المنقول بالتواتر، المكتوب في المصاحف، من أوّل سورة الفاتحة، إلى آخر سورة الناس، فهو كلام الله -تعالى- المنزّل على عبده محمد -صلّى الله عليه وسلّم- لغايةٍ عظيمةٍ، وهدفٍ سامٍ، قال الله تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)، فالغاية من إنزال القرآن الكريم هي العمل بما جاء به؛ وتدبّر أوامره والامتثال بها، وتعلّم نواهيه واجتنابها، ولقد فهم السّلف من المسلمين هذه الغاية، فأدّوها على أكمل وجهٍ، فكان الواحد منهم يحفظ عشر آياتٍ من القرآن الكريم، لا يتجاوزها إلى غيرها حتى يُتم فهمها، ويُحسن تدبّرها، ويعمل فيها، ثمّ ينتقل إلى غيرها.
لقد ورد في السنة النبويّة الشريفة ما يؤكّد ضرورة تعلّم القرآن وتدبّره، فلقد جاء الأمر بالعمل بشرائع القرآن الكريم، ولا يكون العمل إلّا بعد العلم والفهم، فعن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (وقد تركتُ فيكم ما لنْ تَضلّوا بعده إن اعتصمتُم به كتاب الله)، وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنّه قال: (القرآن شافعٌ مُشفّع، فمن جعله أمامه قاده إلى الجنّة، ومَن جعله خلف ظهره ساقه إلى النّار)، والمقصود من قوله أنّ من عمل بالقرآن متدبّراً فاهماً، كان القرآن سبب دخوله الجنّة، ومن غفل عن القرآن متناسياً أوامره ونواهيه، كان ذلك سبباً في دخوله إلى النّار.
هناك أجورٌ عظيمةٌ وفضائلٌ مترتبة على قراءة القرآن الكريم، ومن الأجور والثواب الذي يناله مَن قرأ القرآن الكريم:
جبالٌ من الحسنات والأجور، فعن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (مَن قرأ حرفاً مِن كتاب الله فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشر أمثالها، لا أقولُ ألم حرفٌ، ولكنْ ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ).
الدّرجات والمنازل الرّفيعة في الآخرة، فقد قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (يقالُ لصاحب القرآن: اقرأ وارقَ ورتّل، كما كنت ترتّل في دار الدنيا؛ فإنّ منزلتك عند آخر آيةٍ كنتَ تقرؤُها)،[١٠] وفي حديثٍ آخرٍ قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (مَثل الذي يقرأ القرآن، وهو حافظٌ له، مع السّفرة الكِرام البررة، ومَثل الذي يقرأ القرآن، وهو يتعاهده، وهو عليه شديدٌ، فله أجران
الرّفعة في الدنيا والآخرة لقارئ القرآن، ففي الحديث الشريف: (إنّ الله يرفعُ بهذا الكتاب أقواماً، ويضعُ به آخرين).
نيل الشفاعة يوم القيامة؛ فقد قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (اقرؤوا القرآن، فإنّه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه).
حلول المغفرة ونزول السكينة إذا قُرأ القرآن في مجلس ذكر جماعةً، وفي ذلك قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله، يتلونَ كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السّكينة، وغشيتهم الرّحمة وحفتهم الملائكة، وذكرَهم اللهُ فيمن عنده).
هناك فضائلاً وأجوراً فُضّلت بها سورٌ عن سواها، ورد ذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، من السّور صاحبة الفضل والذّكر:
سورة الفاتحة؛ وقد ورد في فضلها العديد من الأحاديث النبوية، قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (وَالذي نَفسي بيده مَا أُنزلت في التّوراة، ولا في الإنْجيل، ولا في الزّبُور، ولا في الفرقان مثلها، وإنّها سبعٌ مِن المثاني، والقرآن العظيم الذي أعطيتُه).
سورتيّ البقرة وآل عمران، وقد ورد فيهما كذلك الأحاديث النبويّة الشريفة؛ فعن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (اقرَؤوا الزّهراوين: البقرة وسورة آل عمران؛ فإنّهما تأتيان يوم القيامة كأنّهما غمامتان، أو كأنّهما غيايتان، أو كأنّهما فِرقان مِن طيرٍ صوافٍ، تُحاجّان عن أصحابهما، اقرَؤوا سورة البقرة؛ فإنّ أخذها بركة، وتركها حَسرةٌ، ولا يستطيعُها البَطَلة، قال معاوية: بَلَغني أنّ البَطَلة السّحرة).
سورة الكهف، وقد ورد في فضل سورة الكهف قول النبيّ عليه السلام: (مَن قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة، أضاء له مِن النورِ ما بين الجمعتين).
سورة تبارك، وفي فضلها ورد عن النبيّ عليه السلام: (إنّ سورةً مِن القرآن ثلاثون آيةً، شَفَعَت لرجلٍ حتى غُفِر له، وهي: تبارك الذي بيده الملك).
سورة الكافرون؛ وفيها ورد عن النبيّ عليه السلام: (مَن قرأ قل يا أيها الكافرون، عَدَلت له بربع القرآن).
سورة الإخلاص؛ وفي فضلها ورد عن الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- قوله: (ومَن قرأ قل هو الله أحد، عَدَلَت له بثلث القرآن)،[١٩] وكذلك قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حين ذُكر له أنّ رجلاً بات يقرأ سورة الإخلاص حتى أصبح فقال: (والذي نفسي بيده، إنّها لتعدلُ ثلثَ القرآن).
إنّ أعظم ما يتقرّب به العبد إلى ربّه تعالى؛ أنْ يُلازم قراءة كلامه، ويداوم تعلّمه وتدبّره، قال خبّاب بن الأرتّ رضي الله عنه: (تقرّب إلى الله ما استطعت، واعلم أنّك لنْ تتقرب إليه بشيء أحبّ إليه مِن كلامه)، وعلى المسلم أنْ يحذر هجر كلام الله -تعالى- والابتعاد عنه، فقد يترتّب على ذلك عظيم إثمٍ وسوء مُنْقَلب يندم عليه بعد ذلك، وليس الهجر المقصود به: قلّة تلاوة القرآن وحسب، بل إنّ هناك أشكالاً لهجر القرآن الكريم، منها
هجر الاستماع إليه.
هجر العمل به، واتّباع أوامره، واجتناب نواهيه.
هجر تحكيمه، والرّجوع إليه في كلّ أمرٍ.
هجر تدبّر كلامه، وترك تعلّم المقصود من مُحكم آياته.
هجر التّداوي والاستشفاء به.