التيسير فى الشرع الإسلامة ، طريقة صلاة الحامل ، تيسير الشريعة الإسلامية
التيسير في الشريعة الإسلامية
خصّ الله -تعالى- الشريعة الإسلامية بخصائص تميّزها عن غيرها من الشرائع والأنظمة، لتكون بذلك قابلةً للبقاء طيلة الزمان، فالإسلام مستمرٌّ منذ نحو أربعة عشر قرناً، وسيظلّ كذلك إلى يوم القيامة؛ لأنّ الله -سبحانه- أراد له أن يكون ديناً عالمياً دائماً، ومن أهم المميزات التي تجعل الإسلام قابلاً لمواكبة حياة الإنسان، ومناسباً لكلّ عصرٍ ومكانٍ؛ رفعه للحرج، وتيسيره على المكلفين، فالشارع -سبحانه- لم يكلّف عباده بالأمور الشاقّة التي لا يقدرون عليها، بل إنّ القواعد الخمس الكبرى التي يدور حولها الفقه الإسلامي، كلّها تندرّج على أصل التيسير ورفع الحرج، فقاعدة الأمور بمقاصدها ترفع الحرج عن الناس؛ لأنّ الأعمال كلّها تحتاج إلى نيةٍ، وقاعدة اليقين لا يزول بالشك تؤدي إلى حصول الثبات في حياة الناس، ولو زال اليقين بالشكّ لما استقرّت حياتهم، وكذلك قاعدة العادة محكّمة، فهي تيسّر حياتهم وترفع عنهم الضيق، وفي إعمال قاعدة المشقّة تجلب التيسير أثرٌ كبيرٌ في تيسير حياة الناس، وأخيراً فقاعدة لا ضرر ولا ضرار ترفع الضرر الحاصل على الناس، وتوفّر لهم الحماية منه.
والأدلة على اعتبار مبدأ التيسير ورفع الحرج في الإسلام كثيرةً، منها ما يُؤخذ من القرآن الكريم، ومنها ما يُؤخذ من السنة النبوية، ومنها ما دلّ عليه إجماع المسلمين أيضاً، فمن القرآن الكريم الآيات الدالة على رفع التكليف عن الإنسان بما ليس في وسعه قول الله تعالى: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، ومن الأحاديث النبوية التي تدلّ على التيسير وعلى رفع الحرج، وابتعاد الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- عن كلّ ما يشقّ على الأمّة، كما ورد عنه العديد من الأحاديث التي ينهى فيها عن التشدّد في الدين، وقد أخبرت السيدة عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنها- عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: (ما خُيِّرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بين أمريْن قطُّ إلا أخذَ أيْسرَهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعدَ الناسِ منه)، كما تعدّ الرخص الشرعية جميعها دالّةً على رفع الحرج في الإسلام، ومنها جواز قصر الصلاة، وجواز جمعها، وجواز الفطر في رمضان، ونحو ذلك، كما نُقل الإجماع عن العلماء برفع الحرج عن الأمة الإسلامية، ولم يُعرف في ذلك مخالفٌ.
كيفية صلاة الحامل
تُعامل الحامل في كيفية صلاتها معاملة المريض، فالأصل في صلاتها وجوب أن تأتي بما يمكنها الإتيان به من أركان الصلاة وواجباتها، أمّا ما لا يمكنها الإتيان به؛ فإنّه يسقط عنها، والدليل على ذلك قول النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لمن جاءه يسأله عن الصلاة، وهو مريض بالبواسير، فأجابه الرسول قائلاً: (صَلِّ قائماً، فإن لم تستَطِع فقاعداً، فإن لم تستَطِعْ فعلى جَنبٍ)، ويظهر من ذلك أنّ الحامل إن استطاعت أن تقوم أثناء صلاتها فيلزمها القيام فيها، أمّا إن لم تتمكّن من ذلك، أو لحقها به مشقةً شديدةً؛ فلها حينها أن تصلي جالسةً، ويجوز لها أن تجلس على الأرض، أو أن تجلس على كرسي، والأفضل أن تجلس على الأرض؛ لأنّ السنة النبوية دلّت على أن يتربّع الإنسان في موضع القيام والركوع حين يصلي جالساً، وهذا غير ممكنٍ إن كانت جالسةً على كرسي، مع التأكيد على أنّ الجلوس بوضعية التربّع ليست واجبةً، وإنّما مسنونةً، فلها أن تجلس كيف شاءت؛ لأنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وجّه في الحديث السابق ذكره إلى الجلوس فقط، دون الإشارة إلى كيفيته، وإذا شقّ على المرأة الحامل أن تركع وتسجد في صلاتها فيمكنها أن تومئ بهما إيماءً؛ أي أن تحني ظهرها قليلاً لذلك، وعليها أن تجعل انحناءة ظهرها في السجود أخفض منها في الركوع، فإذا كانت تصلّي قائمةً لتمكّنها من القيام دون الركوع والسجود، فتجعل انحناءة ظهرها وإيماءها به للركوع أثناء قيامها، أمّا للسجود فتفعل ذلك وهي جالسةً؛ لأنّ الجلوس أقرب للسجود من القيام، وكذلك القيام أقرب للركوع من الجلوس.
صور من التيسير في الشريعة الإسلامية
للتيسير ورفع الحرج في الإسلام صورٌ كثيرةٌ، وفيما يأتي بيان جانب منها:
يجوز للمسافر أن يفطر في رمضان، وأن يمسح على خفّيه، وأن يقصر الصلاة.
يجوز للمريض أن يتيمم عند عدم قدرته على استعمال الماء، وأن يفطر عند عدم القدرة على الصيام، وأن يستنيب عنه أحداً لرمي الجمرات؛ إذا لم يتمكّن من فعل ذلك بنفسه.
يجوز لمن أكره على التلفّظ بالكفر أن يتلفظ به؛ ما دام قلبه مطمئناً بالإيمان.
يسقط العقاب عن الناسي، فمن نسي صلاة مثلاً لم يعاقب على ذلك؛ بل يكفيه قضاؤها.
يعذر الجاهل بجهله؛ فلو أكل الإنسان شيئاً من المحرّمات دون علمه بحرمتها، لم يُؤاخذ بذلك.
يسقط الواجب عمن تعسّر عليه فعله.
يؤدي النقص الجالب للمشقة غير المحتملة إلى جلب التخفيف، فالصبي غير البالغ، والمجنون غير العاقل؛ لا يكلّفان بما يكلّف به البالغ والعاقل؛ لنقص أهليتهما.
يجوز النظر لغاية الخطبة، أو التعليم، أو الإشهاد، أو المعالجة، ونحوها.
يجوز الطلاق عند تعسّر الحياة الزوجية، وتكدّرها.
مشروعية الرهن، والحوالة، والوكالة، والإجارة، والمزارعة، والوديعة، ومختلف أنواع التيسير، ورفع الحرج في البيوع.
مشروعية الوصية للإنسان عند موته؛ حتى يتدارك ما قصّر به في حياته.
مشروعية التخيير في كفارة الظهار، وكفارة اليمين.