ماهو طواف الإفاضة ، طواف الوداع ، أركان الحج
ما هو طواف الإفاضة
إنّ طواف الإفاضة للحجّ يأتي بعد أن يفيض الحجّاج من عرفة ومزدلفة، وذلك لقول الله سبحانه وتعالى:" وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق "، الحج/29، ولحديث عائشة رضي اللَّه عنها، قالت:" حججنا مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم، فأفضنا يوم النّحر، فحاضت صفية، فأراد النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - منها ما يريد الرّجل من أهله، فقلت: يا رسول اللَّه، إنّها حائض، قال: أحابستنا هي؟ قالت عائشة: يا رسول اللَّه، إنّها قد كانت أفاضت وطافت بالبيت، ثمّ حاضت بعد الإفاضة، فقال رسول اللَّه صلّى الله عليه وسلّم: فلتنفر إذاً "، رواه البخاري.
قال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه:" وسُمِّيَ طواف الزّيارة؛ لأنّه يأتي من منى فيزور البيت، ولا يقيم بمكّة بل يرجع إلى منى، ويُسمَّى طواف الإفاضة؛ لأنّه يأتي به عند إفاضته من منى إلى مكة، وهو ركن للحج، لا يتمُّ إلا به، لا نعلم فيه خلافاً "، المغني.
وإنّ لطواف الزّيارة وقتان، وهما وقت فضيلة، ووقت إجزاء، فأمّا وقت الفضيلة فيكون في يوم النّحر، وذلك بعد الرّمي، والنّحر، والحلق، وأمّا وقت الجواز فأوله يكون من بعد منتصف الليل من ليلة النّحر، وهذا ما قال به الإمام أحمد، والشّافعي، وقد قال أبو حنيفة أنّ أوّله يكون وقت طلوع الفجر من يوم النّحر، وآخره في آخر أيام النّحر، وهذا الأمر مبنيٌّ على أوّل وقت الرّمي، وأمّا آخر وقته فقد احتجّ بأنَّه نُسُكٌ يفعل في الحجّ، فكان آخر وقته محدوداً مثل الوقوف والرّمي، قال ابن قدامة:" والصّحيح أنّ آخر وقته غير محدود، فإنّه متى أتى به صحَّ بغير خلاف، وإنّما الخلاف في وجوب الدّم "، وكلما سارع إليه المسلم قدر استطاعته كان أفضل.
أركان الحج
يوجد أربعة أركان للحجّ على قول جمهور العلماء، وهي على النّحو التالي:
الإحرام: ويعني أن ينوي المسلم نيّة الدّخول في النّسك، وذلك لقول الرّسول صلّى الله عليه وسلَّم:" إنّما الأعمال بالنيّات، وإنّما لكلّ امرىء ما نوى "، وإنّ للإحرام بالحجّ وقتاً محدّداً، وهي شهور الحجّ التي ذكرت في قوله تعالى:" الحجّ أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحجّ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ "، البقرة/197، وللإحرام مكان محدّد، وهي المواقيت التي يحرم الحجّاج منها.
الوقوف بعرفة: وذلك لقول النّبي صلّى الله عليه وسلّم:" الحجّ عرفة، من جاء ليلة جَمْع قبل طلوع الفجر فقد أدرك "، رواه أبوداود وغيره، والمقصود بجَمْع أي: المزدلفة، ويبتدئ وقت الوقوف بعرفة منذ زوال شمس يوم التاسع من ذي الحجّة، ويمتدّ حتى طلوع فجر يوم النّحر، وقيل يبتدىء من طلوع فجر اليوم التّاسع.
فمن حصل له في هذا الوقت وقوف بعرفة ولو لحظة واحدة فقد أدرك الوقوف، وذلك لحديث عروة بن مضرس رضي الله عنه قال:" أتيت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - المزدلفة حين خرج إلى الصّلاة، فقلت: يا رسول الله إنّي جئت من جبل طيئ، أكللت راحلتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من حبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حجّ؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تمّ حجّه، وقضى تفثه "، رواه أبو داود وغيره، كذلك وإنّ الوقوف بأيّ مكان في عرفة يجزئ، لقول النّبي صلّى الله عليه وسلّم:" وقفت ههنا وعرفة كلها موقف "، أخرجه مسلم.
طواف الإفاضة: وذلك لقوله سبحانه وتعالى:" ثمّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق "، الحج/29، ولأنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال حين أُخبِرَ بأنّ صفية رضي الله عنها حاضت:" أحابستنا هي؟، فقالوا: يا رسول الله، إنّها قد أفاضت، وطافت بالبيت، ثمّ حاضت بعد الإفاضة، قال: فلتنفر إذاً "، متّفق عليه، وهذا يدلّ على أنّ هذا الطواف لا بدّ منه، وأنّه يحبس من لم يأت به، ويكون وقته بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة، ولا آخر لوقته عند جمهور العلماء، بل يبقى عليه ما دام حيّاً، وإنّما وقع الخلاف في وجوب الدّم على من أخّره عن أيّام التّشريق أو شهر ذي الحجّة.
السّعي بين الصّفا والمروة: وذلك لقوله صلّى الله عليه وسلّم:" اسعوا فإنّ الله كتب عليكم السّعي "، رواه أحمد، ولقول عائشة رضي الله عنها:" طاف رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - وطاف المسلمون - تعني بين الصّفا والمروة - فكانت سنّة، فلعمري ما أتمّ الله حجّ من لم يطف بين الصّفا والمروة "، رواه مسلم.
طواف الوداع
في حال أراد الحاجّ أن يخرج من مكة ويعود إلى بلاده فإنّ عليه ألا يخرج قبل أن يطوف طواف الوداع، وذلك لحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما، قال:" كان النّاس ينصرفون في كلّ وجهٍ، فقال رسول اللَّه صلّى الله عليه وسلّم: لا ينفرنّ أحدٌ حتى يكون آخر عهده بالبيت "، رواه مسلم.
وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال:" أُمِر النّاسُ أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنّه خُفِّفَ عن المرأة الحائض "، متفق عليه، فإنّ المرأة الحائض ليس عليها وداع وكذلك النّفساء، وعن عائشة رضي اللَّه عنها، أنّ صفية بنت حيي رضي اللَّه عنها زوج النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - حاضت فذكرْتُ ذلك للنّبي - صلّى الله عليه وسلّم - فقال:" أحابستنا هي؟ قالوا: إنّها قد أفاضت، قال: فلا إذن "، رواه البخاري.
فعلى الحاجّ حينها أن يطوف سبعة أشواط بالبيت، ثمّ يصلي بعدها ركعتين خلف مقام سيدنا إبراهيم عليه السّلام، ويخرج بعدها من المسجد الحرام، ثمّ يقول دعاء الخروج من المسجد، ويمكن له بعدها أن يرجع إلى بلاده التي جاء منها.