شرع الله الصلاة وجَعلها أصْلاً وأساساً للراحة؛ ففي الصلاة يَتواصل المسلم بخالقه، ويَطلب حاجته ويشكو همّه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بلال للأذان قائلاً: (أرحنا بها يا بلال) فلذلك لا يُتخيّل أن تكون الصلاة سبباً في التعب والشقاء، حتى إنّ الله عزّ وجلَّ شرع لها صوراً وأشكالاً تتناسب مع المُسلم في كلّ حالاته فلا تسقط عنه في مرضٍ أو سفر، أو لأيّ سببٍ كان باستثناء بعض الأعذار التي تخص النساء.
كيفية صلاة المسافر
في صلاة المسافر يُقلَّص عدد ركعات الصلوات الرباعية -أي المكوّنة من أربع ركعات، الظهر، والعصر، والعشاء- لتصبح هذه الصلوات ركعتين عوضاً عن أربع ركعات لتعود إلى أصل مشروعيتها؛ حيث فرضت كذلك ثم زيدت لاحقاً، في حين تبقى صلاتا الفجر والمغرب على حالهما دون أي تغيير ودون أي تقليص أو تقليل في عدد ركعاتهما، وهذا يُعرف فقهياً بقصر الصلاة وهو خاصٌ بالمسافر.
بالإضافة إلى تقليص عدد ركعات الصلاة (قصر الصلاة) فإنّ للمُسافر أن يجمع صلاتي الظهر والعصر معاً، والمغرب والعشاء معاً أيضاً، وذلك في وقت أحدهما؛ حيث يمكنه جمعهما جمع تقديم أو جمع تأخير؛ بحيث تُقدّم صلاة العصر لتصلى مع الظهر أو صلاة العشاء لتصلى مع المغرب، أو أن تؤخّر صلاة الظهر لتُصلّى مع صلاة العصر أو أن تؤخّر صلاة المغرب لتُصلّى مع صلاة العشاء، وهو ما يُعرف بالجمع في الصلوات وهو ليس خاصاً بالمسافر فحسب؛ فإنه من المُمكن أن يكون الجمع بسبب المطر، وتساقط الثلوج، ويمكن أن يكون في أحوال أخرى كالحج، وربما يَكون لعذر مرضٍ أو غيره.
أصلُ قََصْرِ الصَّلاة عائدٌ لعِلَّة السَّفَر؛ فقد رُوِيَ أنَّ عائشةَ زوجُ النبيِّ -عليه الصَّلاةُ والسّلام- قالت: (فُرِضَتِ الصّلاةُ ركعتينِ ركعتينِ، في الحضرِ والسفرِ، فأُقِرَّتْ صلاةُ السّفرِ، وزِيدَ في صلاةِ الحَضَرِ). هذه الرخصة الشرعية هي من رحمة الله تعالى بالمسلمين، فهو يعلم ظروف السفر التي يمر المسافر بها، والتي لا يُمكن له فيها أن يصلّي الركعات الأربع كاملة أو أن يصلّي كل صلاة في وقتها لانشغاله بالسفر وهمومه وتعبه، والله عزَّ وجلّ يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه.
شُروط جَمْع وقَصْر الصَّلاة في السفر
تُشترط لجواز الجمع في السّفر مجموعة من الشروطٍ منها:
أن يكون السَّفر مُباحاً، فلا يجوز الجمع في سفر المعصية.
أن يَبلُغ السفر مسافة القَصر، ومسافة القصر هنا تُعدّ بما يُعدَّ في العُرف سَفَراً، وقد اختلف الفُقهاء في تقديرها؛ فقال الحنفيّة: إنّ مسافة القَصر تُعتبر بما يساوي مسير ثلاثة أيامٍ، قياساً على قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تُسافِر المَرأَة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم)، وهي عند المالكية أَربَعةُ بُرُد؛ أي ثمانيةٌ وَأربعونَ مِيلًا، وَحَدُّهَا بالزَّمان سَفَر يوْم وليْلة، وهي عند الشافعيّة مَسِيرَةُ يومين كاملين، وهو قول ابن عباس وابن عمر والليث، وعند الحنابلة مسافة القَصر مَسيرَةُ يومٍ تام.
على هذا فإنَّ الجُمْهورَ من أهل العلم ذهبوا إلى أنّ مسافة السفر التي تُقصَرُ وتُجمَعُ فيها الصلاة أربعة بُرُد، والبَريدُ مَسيرَة نصف يوم، أي ما يُساوي مَسيرَةَ يومَين قاصِدين، ومعنى يومان قاصِدان: أي لا يَسيرُ فيها الإنسان ليلاً ونهاراً سيراً بَحتاً مُتواصِلاً، ولا يكون كثير النُّزول والإقامة، فتكون المسافة تقريباً ثمانيةً وأربعين ميلاً، والمِيل المعروف ألفاً وستمئة متر، فتكون الأربعة بُرُد = 76.8 كم تقريباً، وقيل: 80.64 كم، وقيل: 72.
طريقة الجَمْع والقَصر بينَ الصَّلَوات في السفر
هناك عدد من النقاط يجب الأخذ بها لأداءِ الصّلاة جمعاً وقصراً وفق ما نصَّ عليه الفُقهاء، وذلك بالتّفصيل الآتي:
التَأكُّد من وجود سبب الجمع والقصر وهو هنا السفر المباح.
يَبتدِئ المُصلّي بالصلاة التي أتى وقتها؛ فإذا أراد أن يَجمع الظّهر مع العصر تقديماً بدأ أوّلاً بصلاة الظهر، وكذلك إن جمع بين المَغرب والعشاء تقديماً فعليه أن يبدأ بصَلاة المغرب، وعليه أن ينوي الجمع إماماً كان أو مأموماً بمُجرّد البدء بالصّلاة الأولى.
تتمّ إقامة الصلاة الثانية مُباشرةً فور الانتهاء من الصلاة الأولى، ويجب أن تكون لكلّ صلاة إقامة منفردة فلا يُكتَفى بالإقامة للأولى، ويجب على المُصلّي أن يترك بين الصلاة الأولى والصلاة الثّانية مدّةً تزيد عن وقت أداء ركعتين خفيفتين، فإن كانت بينهما مدّة أكثر من ذلك بَطُلَ ا
لجمع، وصلَّى كلّ صلاةٍ بوقتها وركعاتها.
لا تُقصر الصلاة غير الرباعية كصلاة المغرب في الجمع بسبب السفر؛ بل تُصلّى كما هي على حالها فتؤدّى ثلاث ركعات كما هي، كذلك لا يوجد جمع لصلاة الفجر مع غيره من الصلوات.
يُشترط لحدوث جمع وقصر الصلاة بسبب السفر أن يُفارق المسافر العمران؛ فلا يجوز له الجمع والقصر إذا حان وقت الصلاة الأولى وهو ما يزال في دياره؛ بل يقوم بجمع الصلاة من دون قصر بشرط تحقّق نية السفر.
يجوز الجمع والقصر بسبب السفر، وذلك إمّا أن يكون جمع تقديم أو تأخير بشرط أن يبدأ المسافر بالصّلاة الأولى؛ فإن كان الجمعُ جمع تقديم بدأ بصاحبة الوقت، وإن كان جمع تأخير بدأ بالصّلاة التي أخَّرها عن وقتها.