كثرت أقوال العلماء في نزول القرآن، منهم من قال بان القرآن الكريم نزل جملة، ومنهم من قال ان نزوله مفرّقا. .
: هو نزول القرآن الكريم جملة واحدة من الله سبحانه وتعالى إلى بيت العزة في السماء الدنيا في ليلة القدر وهي الليلة المباركة في شهر رمضان.
قال الله تعالى: ﴿ إِنّا أَنزَلناهُ في لَيلَةِ القَدرِ ﴾ [ سورة القدر: 1].
﴿ إِنّا أَنزَلناهُ في لَيلَةٍ مُبارَكَةٍ ﴾ [ سورة الدخان: 3 ].
﴿ شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أُنزِلَ فيهِ القُرآنُ هُدًى لِلنّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الهُدى وَالفُرقانِ ﴾ [ سورة البقرة: 185].
وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي عنهما، في قوله تعالى: ﴿ إِنّا أَنزَلناهُ في لَيلَةِ القَدرِ﴾ قال: أُنزِل القرآن جملةً واحدة في ليلة القدر إلى السماء الدنيا، وكان بمواقع النّجوم، وكان الله ينزّله على رسوله بعضه في إثر بعض..". رواه البيهقي والحاكم.
تعظيم القرآن وتشريفه، وتشريف للرسول وبيان منزلته وفضله على غيره من الأنبياء عليهم السلام، وتكريم لأمّته وبيان لمكانتها، وبيان علم الله سبحانه وتعالى للغيب بسائر الأمور كلّها .
قال ابو شامة المقدسي : "فإن قلت: ما السّر في إنزاله جملة إلى السماء الدنيا؟ قلت: فيه تفخيم لأمره وأمر من أنزل عليه، وذلك بإعلام سكان السموات السبع أن هذا آخر الكتب المنزل على خاتم الرسل لأشرف الأمم، قد قربناه إليهم لننزله عليهم، ولولا أن الحكمة الإلهية اقتضت وصوله إليهم منجمًا بحسب الوقائع لهبط به إلى الأرض جملة كسائر الكتب المنزلة قبله، ولكن الله تعالى باين بينه وبينها فجمع له الأمرين: إنزاله جملة ثم إنزاله مفرقًا، وهذا من جملة ما شرف به نبينا
هو نزول القرآن الكريم منجمّا -أي مفرّقٌا- على الرسول في ثلاث وعشرين سنة بحسب الوقائع والأحداث.
قال تعالى: ﴿ وَقُرآنًا فَرَقناهُ لِتَقرَأَهُ عَلَى النّاسِ عَلى مُكثٍ وَنَزَّلناهُ تَنزيلًا [ سورة الإسراء: ١٠٦ ]
واختص القرآن الكريم بهذا النزول دون سائر الكتب السابقة التي كانت تنزل جملة واحدة على الرسل عليهم السلام ، قال تعالى:
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ
تَرْتِيلًا [ سورة الفرقان:32].
نزل القرآن الكريم كله على الرسول بواسطة جبريل عليه السلام، دليل ذلك قوله تعالى: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرّوحُ الأَمينُ عَلى قَلبِكَ لِتَكونَ مِنَ المُنذِرينَ ﴾ [سورة الشعراء: ١٩٣_١٩٥] وقوله تعالى: ﴿ قُل نَزَّلَهُ روحُ القُدُسِ مِن رَبِّكَ بِالحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذينَ آمَنوا وَهُدًى وَبُشرى لِلمُسلِمينَ ﴾ [ سورة النحل: ١٠٢ ].
وقد تلقّى جبريل عليه السلام القرآن الكريم من الله عز وجل مباشرة وسمعه منه بصوت وحرف، ونزل به جبريل إلى الرسول بلفظه ومعناه وأدّاه كما سمعه.
قال شيخ الإسلام في الفتاوى:
ومذهب سلف الأمّة وأئمتها وخلفها أن النبي سمع القرآن من جبريل، وجبريل سمعه من الله عز وجل.
وقال ابن حجر في فتح الباري: والمنقول عن السلف اتفاقهم على أن القرآن كلام الله غير مخلوق، تلقّاه جبريل عن الله، وبلّغه جبريل إلى محمد عليه الصلاة والسلام، وبلّغه إلى أمته.
اليوم الذي ابتدأ نزول القرآن فيه:
هو يوم الإثنين، عن قتادة رضي الله عنه: أنَّ رسول سُئل عن صوم يوم الإثنين؟ قال:( ذاك يومٌ وُلِدتُّ فيه ويومٌ بُعثتُ أو أُنزِل عليَّ فيه ) رواه مسلم.
ومدّة هذا النزول على النبي : في ثلاث وعشرين سنة -على القول الراجح- ثلاث عشرة سنة بمكة وعشر بالمدينة من بعثته إلى وفاته .
نزل القرآن الكريم على النبي بمكة ونزل بالمدينة ونزل في غيرهما، فما كان قبل هجرته فهو مكّي وإن نزل بالمدينة، وما كان بعد هجرته فهو مدني وإن نزل بمكة، وهذا ضابط معتبر في تمييز المكّي من المدني لآيات القرآن وسوره.
لم يكن لنزول القرآن على النبي في كل مرة مقدار ثابت، فقد تنزل الآية كما نزلت آية ﴿ اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دينَكُم ﴾ [ المائدة: ٣ ] وقد تنزل بعض آية كقوله تعالى ﴿ مِنَ الفَجرِ ﴾ من قوله تعالى ﴿ وَكُلوا وَاشرَبوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيطُ الأَبيَضُ مِنَ الخَيطِ الأَسوَدِ مِنَ الفَجرِ ﴾ [ البقرة: ١٨٧].
وكقوله تعالى ﴿َ غَيرُ أُولِي الضَّرَرِ ﴾ من قوله تعالى: ﴿ لا يَستَوِي القاعِدونَ مِنَ المُؤمِنينَ غَيرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالمُجاهِدونَ في سَبيلِ اللَّهِ بِأَموالِهِم وَأَنفُسِهِم..﴾ الآية [ النساء: ٩٥]، وقد تنزل خمس آيات كما نزلت الخمس الآيات الأولى من سورة الضحى.
ونزلت عشر آيات من قصة الإفك جملة واحدة من سورة النور، والعشر الآيات الأولى من سورة المؤمنون.
وقد تنزل السورة كاملة ومن ذلك سورة الفاتحة، ومن السور الطويلة قيل الأنعام وفيها خلاف, وبعض قصار السور، ونزلت المعوذتان معا كاملة.
كان نزول القرآن على النبي إما ابتداءً وإمّا بسبب حادثة وقعت او سؤال، والأغلب نزوله ابتداءً؛ وذلك لهداية العباد ولحاجتهم إليه، وأمّا نزوله للسبب والسؤال فهو قليل.
هي الخمس الآيات الأولى من سورة العلق، نزل بها جبريل عليه السلام على النبي وهو يتحنّث –يتعبّد- في غار حراء.
عن عائشة زوج النبي قالت: ( كان أول ما بُدِئ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبِّبَ إليه الخلاء، فكان يلحق بغار حراء، فيتحنَّثُ فيه ـ والتَّحنُّثُ: التعبد ـ الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود بمثلها، حتى فَجَأَه الحقُّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: اقرأ. فقال رسول الله ﷺ: ما أنا بقارئ قال: فأخذني، فغطَّني حتى بلغ مني الجَهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارئ. فأخذني، فغطَّني الثانية حتى بلغ مني الجَهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارىء. فأخذني، فغطَّني الثالثة حتى بلغ مني الجَهد، ثم أرسلني، فقال: {اقْرَا بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ *اقْرَا وَرَبُّكَ الأَكَرَمُ *الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ *عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [ سورة العلق: ١_ ٥ ]... الحديث، أخرجه البخاري ومسلم.
ورد عن بعض الصّحابة والتابعين رضي الله عنهم في آخر ما نزل ثلاثة أقوال:
الأوّل: أنّها آيةُ الرِّبا، ورَد هذا القول عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وابن عبّاس رضي الله عنهما.
الثاني: قول الله تعالى: ﴿ وَاتَّقوا يَومًا تُرجَعونَ فيهِ إِلَى اللَّهِ ﴾، ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما، وسعيد بن جبير، والسدّي الكبير.
الثالث: آية الدّين، قال به ابن شهاب.
فكل واحد ذكر آخر ما سمع من الآيات الثلاث وأخبر بما عنده من علم.
وهذه الأقوال الثلاثة تعتبر قولا واحد وقد جُمِع بينها فلا تعارض بينها ولا منافاة كونها نزلت متتابعة.
قال الإمام جلال الدّين السيوطي-رحمه الله- "قلت ولا منافاة عندي بين هذه الروايات في آية الرِّبا، واتّقوا يومًا، وآية الدّين؛ لأنّ الظاهر أنّها نزلت دُفعة واحدة كترتيبها في المصحف، ولأنّها في قصّة واحدة، فأخبر كلٌّ عن بعض ما نزل بأنّه آخر وذلك صحيح".
المقصود بها أوّل وآخر ما نزل من الآيات التي نزلت في "موضوع خاص" كآيات التدرّج في تحريم الخمر التي مرّت بأربع مراحل اقتضتها حكمة الله:
فكان أوّل ما نزل فيها قوله تعالى: ﴿ وَمِن ثَمَراتِ النَّخيلِ وَالأَعنابِ تَتَّخِذونَ مِنهُ سَكَرًا وَرِزقًا حَسَنًا إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً لِقَومٍ يَعقِلونَ ﴾ [النحل: ٦٧] وهذه هي المرحلة الأولى.
تليها المرحلة الثانية: وفيها نزل قوله تعالى: ﴿ يَسأَلونَكَ عَنِ الخَمرِ وَالمَيسِرِ قُل فيهِما إِثمٌ كَبيرٌ وَمَنافِعُ لِلنّاسِ وَإِثمُهُما أَكبَرُ مِن نَفعِهِما وَيَسأَلونَكَ ماذا يُنفِقونَ قُلِ العَفوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُم تَتَفَكَّرونَ ﴾ [البقرة: ٢١٩].
المرحلة الثالثة: وفيها نزل قوله تعالى: ﴿ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَقرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنتُم سُكارى حَتّى تَعلَموا ما تَقولونَ ﴾ [النساء: ٤٣].
المرحلة الرابعة: وفيها نزل قوله تعالى: ﴿ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِنَّمَا الخَمرُ وَالمَيسِرُ وَالأَنصابُ وَالأَزلامُ رِجسٌ مِن عَمَلِ الشَّيطانِ فَاجتَنِبوهُ لَعَلَّكُم تُفلِحون َ﴾ [المائدة: ٩٠]. وبهذة الآية الكريمة حُرّمت الخمر مطلقًا.