قصص القرآن الكريم
في كلّ زمنٍ من الأزمان، وفي كلّ سنةٍ من السّنين ترى الثّلة المؤمنة التي تمسّكت بدينها ونافحت عن عقيدتها، فقد ذكر القرآن الكريم قصّة من أروع القصص وهي قصّة أهل الكهف؛ الذين ظلّوا نائمين في كهفهم مدّة ثلاثمائة سنة وتسعة أيّام، فكانوا عبرة وآية من آيات الله تعالى، فما هي قصّة هؤلاء الفتية ؟
قصة اهل الكهف
وَصَفَ القرآنُ الكريمُ أصحابَ الكهفِ بأوصافٍ مُحبَّبةٍ تَعكِسُ ما يَحمِلهُ شُخوصُ القَصَّةِ وأبطالُها من قِيَمٍ تُمثِّلُ مَطلبَ الإيمانِ بالله وحده، قال تعالى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى). وفي خبرِ أصحابِ الكهفِ أنَّهم فرُّوا بدينِهم من مَلكٍ ظَهرَ في مدينَتهم فعبَد الأصنامَ وعبَّدَ قومهُ، فانصرفَ هؤلاء الفتية عنه إلى كهفٍ خارج المدينةِ فارّين بدينهم. تجتمعُ الرِّواياتُ على أنَّ الفتيةَ كانوا على دينِ عيسى ابن مريم عليه الصَّلاةُ والسَّلام، وأنَّ اسم الملك الكافر دَقيوس أو دَقَنيوس، واسمُ المَدينةِ التي يحكُمُها أفسوس أو يُقالُ طَرَسُوس، ومنها خرج الفتيةُ خوفاً من الملكِ على دينهم وأنفسهم، وكانَ تعدادُهم سبعةً كما رجَّحَ المفسِّرونَ استشهاداً بما ذكره القرآن الكريم، قال تعالى: (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ۖ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ۚ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ۗ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا)، وفي ذلك قيل إنّ نفيَ التِّعدادينِ الأول والثّاني ظهر بإتّباعهما جملة (رجماً بالغيب)؛ بمعنى قذفاً بالغيب بغير تثبُّتٍ أو دليلٍ، ثم استأنف التّعدادَ ليفصِحَ عن العددِ الحقيقي، فكانوا سبعةً وثامنهم كلبهم، والله أعلم.
يحكى أنّ ملكاً اسمه دقيانوس كان يحكم مدينة تسمى أفسوس تقع في نواحي تركيا، وقد كان هذا الملك جبارًا، يبطش بالنّاس ويحملهم على معتقداته الباطلة، فقد استهوت هذا الملك فكرة عبادة الأصنام من دون الله تعالى، على الرّغم من أنّ كثيرًا من قومه ورعاياه كانوا يدينون بدين عيسى -عليه السّلام- وتعاليمه.
وقد اتخذ هذا الملك الظّالم مع قومه أساليب غاية في البشاعة، فقد كان يجبر رعاياه على اعتناق المعتقد الذي زعم صحّته، مهدّداً من يمتنع عن ذلك بالقتل والتّحريق، وقد رأت ثلّة من الفتية المؤمنين أن تهاجر إلى الله تعالى بدينها، فراراً من هذا الظّلم ولتحفظ عليها معتقدها، فقرّر هؤلاء الفتية أن يتخذوا موضعاً بعيداً عن مدينتهم حتّى يرابطوا فيه، لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمرًا، وقد وقع اختيارهم على كهفٍ ليكون لهم المقام والمنزل حتى حين .
وفي هذا الكهف حدثت الآيات الرّبانيّة وتجلّت، فقد ضرب الله سبحانه وتعالى على آذان هؤلاء الفتية فناموا في الكهف ثلاثمائة سنة وتسعة أيام، وقد كانوا في نومهم عجباً، ولو نظر إليهم الإنسان لولّى هرباً، فقد كانت أعينهم مفتوحة وهم راقدون، ويتقلّبون كما يتقلّب النّائم في منامه، حتّى يحفظ الله أجسادهم من التّحلل .
و بعث الله سبحانه وتعالى هؤلاء الفتية من نومهم الطّويل، وقد ظنّ هؤلاء الفتية أنّهم ناموا يوماً أو بعض يوم، وانتدبوا واحداً منهم ليشتري لهم طعامًا من السّوق، فذهب هذا الفتى ودخل المدينة ليجد العهد بالنّاس ليس كما سبق، فمعتقد النّاس ومعتقد الحاكم عاد صحيحاً على منهاج الله تعالى كما كان، ففرح الفتى وعاد إلى قومه ليبشّرهم بذلك، وقد فرح الفتية بهذا الخبر، ثمّ شاء الله سبحانه وتعالى أن يتوفّاهم في الكهف نفسه ليعلم النّاس بما جرى لهم، وقد قرّر القوم أن يتخذوا على قبرهم مسجداً .
مناسبة قصة أهل الكهف في القرآن الكريم
نَزلَت سورةُ الكَهفِ تثبيتاً لرسولِ الله عليه الصَّلاةُ والسَّلام وتصديقاً لرسالته، ذلك أنّ كفَّار قريش بعثوا النَّضْر بن الحارث وعُقبةَ بن أبي مَعيَط إلى أحبار اليهود يستفتونهم في النَّبي محمد عليه الصَّلاة والسَّلام، فرجع النَّضر وعُقبةَ إلى أهليهم يحملون من اليهودِ ثلاثة أسئلةٍ؛ أولاها شأن الفتيةِ أهل الكهف، وثانيها الرَّجل الطوَّاف، وثالثها الرُّوح، فأبطأ الوحيُ على رسولِ الله خمسة أيامٍ، ثمَّ جاءه بسورة الكهفِ، وأخبار أصحاب الكهفِ، وذي القرنين، ونَزلت الآية: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ).