الإمامة فى الصلاة ، أحكام الإمامة فى الصلاة ، أداب الإمامة
إمامة الصلاة
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (يؤمّ القومَ أقرؤُهم لكتاب الله، وأقدمهم قراءةً، فإن كانوا في القراءة سواءً فليؤمّهم أقدمهم هجرةً، فإن كانوا في الهجرة سواءً فليؤمّهم أكبرهم سنّاً، ولا يُؤمّ الرجل في بيته، ولا في سلطانه، ولا يُجلس على تَكرمتِه إلا بإذنه)، ويتبيّن من حديث الرسول -عليه الصلاة والسلام- أنّ الأحقيّة بالإمامة تكون لمن هو أقرأ القوم لكتاب الله تعالى، والمقصود من ذلك الأكثر حفظاً للقرآن الكريم، فإن استووا في ذلك، فالأحقيّة لمن هو أعلمهم وأفقههم بالسنة، ثمّ لمن كان له السّبق في الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، وإذا استووا فالإمامة لمن سبق بالدخول إلى الإسلام، فإن استووا كانت الإمامة لمن هو أكبر سنّاً، ويعتبر هذا الترتيب في حال عدم وجود إمام متعيّن للمسجد، فإن وُجد الإمام فالإمامة له، إلّا إنْ أذِن الإمام لغيره بالإمامة، وكذلك لا يتقدّم أحدٌ على صاحب البيت في الإمامة، ويشترط في تقدّم الأقرأ للإمامة أن يكون عالماً بأحكام الصلاة، ضابطاً لها، وإلّا فلا يتقدّم، وإن استووا في كلّ الأمور فإنّه يُقرع بينهم، إلّا أن يتنازلوا جميعاً لأحدهم، فتكون الإمامة له، ومن الجدير بالذكر أنّ إمامة الصلاة لها فضلٌ عظيمٌ، وهي وظيفة شريفة لأهل الخير والصلاح؛ لكون الإمام ضامناً لصلاة المأمومين، والإمام والمأموم مشتركين في الأجر، لكون كلّ واحدٍ منهما سبباً في حصول الأجر للآخر بصلاة الجماعة.
أحكام الإمامة
بيّن النبي -عليه الصلاة والسلام- الأحكام المتعلّقة بإمامة الصلاة، ومن ذلك صحّة إمامة الصبي؛ لما ثبت أنّ عمرو بن سلمة صلّى إماماً بقومه، وكان حينذٍ صبيّاً، وتصحّ إمامة المسافر للمقيم، فيصلّي معه ركعتين، ثمّ يقف المقيم ليتمّ صلاته، وتصحّ إمامة المقيم للمسافر، وإمامة الأعمى، وإمامة المتوضئ للمتيمّم، والمتيمّم للمتوضئ، وكذلك تصحّ إمامة المفترض للمتنفّل، والمتنفّل للمفترض، وتصحّ صلاة المفترض للمفترض، وإن خالفه في الفريضة؛ كأن يصلّي أحدهما الظهر، والآخر يصلّي العصر، وإن اختلفتا الصلاتين في عدد الركعات صحّ ذلك، وإن كانت عدد ركعات صلاة المأموم أقلّ من عدد ركعات صلاة الإمام، كأن يصلّي المأموم صلاة المغرب خلف إمام يصلّي العشاء، فبعد انتهاء الإمام من الركعة الثالثة يجلس المأموم ويتشهّد، وهو مخيّر بين انتظار السلام مع الإمام، أو أن يسلّم وحده، والأولى في هذه الحالة أن ينوي مع إمامه صلاة العشاء، ويصلّيها معه، ثمّ بعد ذلك يصلّي المغرب وحده، ولا يضرّ الترتيب هنا، وذلك لعدم حصول تشويش بين صفوف المصلّين بسبب جلوسه المفاجئ بعد الركعة الثالثة، ويجوز لمن يصلّي منفرداً إن جاءه مصلّي آخر واقتدى به أن يحوّل نيته من الانفراد إلى الإمامة، ولا يُسأل الإمام عن اعتقاده؛ بل يكفي أن يكون مستور الحال، وإذا ابتدئ الإمام صلاته قاعداً، فيجب على المأمومين أن يصلّوا خلفه قعوداً؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (ائتمّوا بأئمّتِكم، إن صلّى قائماً فصلّوا قياماً، وإن صلّى قاعداً فصلّوا قعوداً)، وإن ابتدأ الإمام صلاته قائماً ثمّ جلس؛ كأن حصلت له علّةً من ألمٍ أو غيره، أو أن يأتي بتكبيرة الإحرام قائماً ثمّ يجلس، فللمأموم حينئذٍ أن يصلّي خلفه قائماً، ولا تجوز صلاة الرجل بإمامة المرأة، وإلّا فالصلاة باطلة، والأخرس لا ينبغي أن يكون إماماً؛ لأنّ الإمامة تحتاج إلى قراءة، والأخرس لا يقرأ، لكن بالنسبة لصحة الصلاة فهي صحيحة، وتصحّ الصلاة خلف المخالف في الفروع العقدية والفقهية، وكذلك تصحّ الصلاة خلف كلّ مَن صحّت صلاته لنفسه؛ لأنّ من صحّت صلاته لنفسه صحّت لغيره، وخلف كلّ من يبدّل حرفاً بحرف وهو الألثغ، والذي لا يقيم حروف العربيّة لعُجمةٍ في لسانه، وهو الألكن، والذي يتكلّم بلغةٍ غير العربية وهو أعجميّ اللسان، وكثير الخطأ في غير الفاتحة وهو اللّحان، ودليل ذلك قول الله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)، ويرى الشيخ ابن عثيمين صحّة إمامة التّمتام؛ وهو الذي يكرّر حرف التاء، والفأفاء؛ أي الذي يكرّر حرف الفاء، وتصحّ إمامة من لا يقرأ بالتجويد، ولكن تكره إمامة من يكرّر الحروف؛ لأنّ في ذلك زيادةً في الحروف، أمّا إمامة مَن يلحن بالفاتحة، فإن كان لحنه يغيّر المعنى فلا تصحّ إمامته إلّا لمأمومين لا يحسنون قراءة الفاتحة مثله، وإن كان لحنه لا يغيّر المعنى تصحّ إمامته، وتصحّ إمامة مَن به سلس البول وانفلات الريح، حيث لم يرد أي دليلٍ يمنع من ذلك، ولكنّ الأفضل عدم التقدّم للإمامة، وتصحّ كذلك إمامة المُحدِث الذي نسيَ الوضوء، إذا لم يعلم المأمومين بذلك، ولا يجب على المأمومين إعادة الصلاة إن علموا بعد انتهائها، ويجب عليهم مفارقته إن علموا أثناء الصلاة بحاله، أو أن يتقدّم أحدهم فيتمّ بهم الصلاة، ولا يصحّ ترك الصلاة خلف الإمام السريع في الصلاة، إلّا إن لم يتمكّن المأموم من أداء الأركان والواجبات الخاصة بالصلاة باطمئنانٍ، فيكون معذوراً بترك الصلاة في ذلك المسجد، وتجب عليه الجماعة إن وجد مسجداً آخراً تُقام فيه الجماعة.
آداب الإمامة
إنّ للإمام آدابٌ يجب عليه مراعاتها أثناء الإمامة بالناس، منها:
· تخفيف الصلاة مع الكمال والتمام؛ إذ في المأمومين الكبير، والصغير، والمريض، والضعيف.
· تطويل الركعة الأولى أكثر من الثانية؛ ويسثنى منها ما إذا الفرق كان يسيراً بينهما، مثل: الأعلى والغاشية في صلاة الجمعة وصلاة العيد، وتستثنى صلاة الخوف أيضاً، مراعاةً لحال المسلمين.
· تطويل الركعتين الأوليين، وتقصير الأخريين من كلّ صلاةٍ؛ لحديث جابر بن سمرة، أنّ سعداً قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما: (إني لأصلي بهم صلاةَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، ما أخرم عنها إني لأركد بهم في الأُوليين وأحذفُ في الأخريين).
· مراعاة مصلحة المأمومين بشرط ألّا يخالف السنة في ذلك.
· المكوث في المكان وقتاً يسيراً بعد السلام.
· استقبال المأمومين بوجهه إذا سلّم.
· عدم تخصيص نفسه بالدعاء الذي يؤمّن عليه المأمومون.
· عدم الصلاة في مكان مرتفع جداً عن المأمومين.
· عدم الصلاة في مكان متستّر فيه عن جميع المأمومين.
· الانصراف إلى الناس بعد السلام تارةً عن يمينه، وتارةً عن شماله.
· اتخاذ سُترةً له.