الهجرة النبوية الشريفة ، أسباب الهجرة النبوية ، نتائج الهجرة النبوية ، الدروس المستفادة من الهجرة النبوية
الهجرة النبوية
الهجرة النبوية هي مِن الأحداث التاريخية الهامّة بالنسبة للأمة الإسلامية جمعاء؛ حيثُ غيّرت مجرياتها ووجه التاريخ ككل، والتاريخ الإسلامي بشكلٍ خاص، ومنها كانت نشأة الدولة الإسلامية وازدهارها واستقلالها عن قريش، لذلك فإن الهجرة النبوية تُعتبَر من الأحداث ذات التأثير الكبير على مسار خارطة الأمة ابتداءً من يوم الهجرة وليس انتهاءً بتشكيل دولة المسلمين في المدينة المنورة في يثرب، وقد عادت الهجرة النبوية على الأمة الإسلامية بالعديد من النتائج العظيمة التي ستذكرها هذه المقالة وتُبيّنها.
أسباب الهجرة النبوية
ليست حادثة الهجرة النبوية مجرد حادثةٍ حصلت وانتهت بانتهاء أحداثها، ولا هي قصة تُذكر وتُعرَض للناس على أنّها قصة حصلت وانتهت، إنّما هي نواة أمّة كاملةٍ، فمن تلك الحادثة جرى تغيير مسار الأمة كلها والأمة العربية على وجه الخصوص، وقد كان لحادثة الهجرة مجموعةٌ من الأسباب التي جعلت النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن معه من المسلمين يلجؤون إليها، فلا أحد يرغب بترك موطنه إلا إذا اضطرّ لذلك، ومن أهم أسباب هجرة المسلمين من مكة إلى المدينة ما يلي:
عدم تقبُّل الإسلام من قِبَل أهل مكة: فقد كان النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يهدف بالدرجة الأولى إلى هِدايَة قومِه، وكان حريصاً على ذلك أشد الحرص، وقد استَعمَل لأجل ذلك العديد من الوسائل المتاحة، وعمد إلى تطبيق كلَّ أساليب الدَّعوة إلى الله -سبحانه وتعالى- والمتمثلة بصورةٍ أظهر فيها الرفق واللين بأبهى الصور، كما دعاهم بالحكمة والموعظة الحسَنَة، إلا أنّهم أبوا إلا الكفر، وحاربوا دين الله، وطردوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وآذوه؛ لذلك لجأ النبي للبحث عن مكانٍ آخر يستقبل أهلُه دينَ الله، فكانت يثرب.
عدم معارضة يثرب (المدينة المنوَّرة) استقبال المسلمين وعلى رأسهم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ونشر دعوته انطلاقاً منها، فقد لَقِيَ النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- نفراً من الأنصار، وكانوا جميعهم من الخَزرَج، فدَعاهُم إلى الإيمان بالله، وقد كانوا من جِيران يهود المدينة، فكانوا يَسمَعُون اليهود يَذكُرون أنَّه سيُبعَثُ نبيٌّ، وقد أقبل وقت ظهوره، فتشاوروا بينهم وعزموا على ألّا تسبقهم اليهود إلى الإيمان به، وطلبوا منه أن يعودوا إلى المدينة فيدعون أهلها إلى الإيمان به، ثم رجعوا إلى المدينة المنورة، فدعوا قومهم إلى الإيمان بالله، حتى انتشر الإسلام فيما بينهم، فلمّا جاء العام الذي يلي ذلك العام أتى مكَّة اثنا عشر رجلاً من الأنصار، جميعهم من الأوس والخزرج، فبايَعوا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ثم بعد ذلك خرج جمعٌ كبيرٌ من مسلمي الأنصار للقاءَ رسولِ الله، فبايَعُوا النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- عِند العقبة على أنْ يحموا رسول الله ويُناصرونه، وعلى أنْ ينتقل وأصحابه إلى المدينة.
تعرُّض النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وأصحابه للإيذاء والتعذيب: فقد كان من أهم أسباب هجرة النبي وأصحابة ما لاقوه من تعذيب كفار قريش لهم، وقد تمثَّل تعذيبهم له بالكلام من خلال شتمهم له وادّعائهم بأنه شاعرٌ وساحرٌ ومجنون، وبالفعل من خلال محاولة قتله وتعذيب أصحابه وقتل جماعةٍ منهم.
نتائج الهجرة النبوية
لم تنحصر نتائج الهجرة النبوية أو تتوقّف على مرحلةٍ زمنية بعينها، إنّما توالت النتائج إلى ما بعد ازدهار الدولة الإسلامية مروراً بعصر الخلفاء الراشدين، وليس انتهاءً عند توسع رقعة الدولة الإسلامية وازدهارها في عصر التابعين، وقد كان من أبرز نتائج الهجرة النبوية ما يلي:
من أبرز وأهمِّ نتائج الهجرة النبوية والتي لا زال أثرها ظاهراً حتى يومنا هذا هي إقامة الدولة الإسلاميَّة على رقعة أرضٍ مستقلة، وتخضع جميع مكوناتها بما فيها من مسلمين وغيرهم إلى الحكم الإسلامي، وتكوين مجتمعٍ إسلاميٍ متكامل.
من أبرز وأهمِّ نتائج الهجرة النبوية كذلك قبل إقامة الدولة الإسلامية نَجاة النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- من قريش وجورهم وأذاهم، ونجاة أصحابه -رضي الله عنهم- كذلك من سطوة قريش وتجبُّرهم الذي زاد وطغى عن حد الاحتمال، فقد حاولت قريش عدة مرات اغتيال النبي -صلى الله عليه وسلم- وضيّقوا على جميع من آمن به ليردوهم عن إيمانهم، ولكن الله أنجاهم من ذلك بالهجرة ومكَّن لهم في الأرض بعد أن كانوا مستضعفين.
تَرسِيخ مَبدَأ الأُخُوَّة: فإنّ من أبرز نتائج الهجرة التي تحقّقت للمسلمين بعد استقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة المؤاخاة بين المُهاجِرين والأنصار؛ ممّا يدلُّ على أهمية التآخي ودور لُحمة المجتمع الواحد في تمكين المسلمين، وقد ترسَّخ مبدأ الأُخوَّة في نُفُوس الصحابة من المهاجرين والأنصار حتى بلغت بهم الأُخوّة أن يطلب أحدهم من أخيه في الله أن يقتسم معه ماله وزوجاته.
من نتائج الهجرة النبوية كذلك ما كان له أثرٌ واضحٌ على أهل المدينة الأصليين من الأنصار؛ حيث تخلَّص أهل المدينة من الضغائن والأحقاد والمناوشات التي كانت تحدث بينهم بشكلٍ مستمر بالتآخي والتراحم بين المسلمين؛ حيثُ توحدت جميع القبائل تحت رايةٍ واحدةٍ هي توحيد الله والإيمان به وبنبيه، وترك العصبيّة القبلية، ونزع الحقد والضغينة من النفوس.
تحقيق العبودية لله -سبحانه وتعالى- وحده، فقد أحدث الإسلام انقلاباً في حياة مجتمع المدينة أفراد وجماعات، فتغيّر سلوكهم وتغيّرت عاداتهم ومقاييسهم وأحكامهم، كما تغيرت بنية مجتمع المدينة تماماً عمّا كانت عليه.
الدروس المستفادة من الهجرة
لا يمكن حصر الدروس المستفادة من الهجرة النبوية الشريفة؛ إذ إنّها عادت على الأمة الإسلامية بالكثير من الفوائد نتيجة التخطيط المتقن من النبي صلى الله عليه وسلم، كما أنّها حوت المواقف البارزة التي تُظهر أثر الإسلام في تغيير مفاهيم المسلمين حينها بمجرد انتقالهم من الكفر إلى الإسلام، ومن أبرز الدروس المستفادة من الهجرة النبوية ما يلي:
المؤمن يتوكَّل على الله سبحانه وتعالى في جميع أحواله: وقد ظهر ذلك من خلال توكل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ربه، وثقته بنصره، ومع ذلك فهو لم يتهاون ولم يتواكل بل أعدَّ خطة مُحكمَة التفاصيل، وقام بتنفيذها بسريةٍ تامة.
الصبر والتوكل على الله واليقين به طريقٌ حتميٌ للنصر والتمكين: فقد ثبت النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من الصحابة على ما لاقوا من أذى قريش، وتعذيبهم لهم، واستهزائهم بهم، حتى مكَّن لهم الله في المدينة، وفي طريق الهجرة لما وصل كفار قريش إلى الغار، خشي أبو بكر -رضي الله عنه- أن يصلوا إليهم، فصبَّره النبي -صلى الله عليه وسلم- وأظهر له يقيناً بالله لا مثيل له، فالله هو الحافظ لأنّه نجّاهم منهم مع أنّهم كانوا على بعد أقدامٍ منهم.
للمرأة المسلمة دورٌ ومكانٌ بارزٌ في الإسلام، فهي شريكةٌ للرجل في الدعوة إلى الله بما آتاها الله من قدرات، وقد ظهر ذلك الدور في المرأة في الهجرة الشريفة؛ من خلال ما قامت بها بنتا أبي بكر عائشة وأسماء رضي الله عنهم جميعاً؛ حيث أبديتا من الشجاعة والصبر ما يعجز الرجال عن تقديمه، ولم تُفشيا سرّ هجرة النبي مع أبي بكر، وقامتا بتزويدهما بما يلزمهما من مؤونة للسفر، وغير ذلك الكثير من مواقف النساء المسلمات غَيرِهِما في حادثة الهجرة وقبلها وبعدها.