الصلاة ، كيفية الصلاة لشخصين ، فضل الصلاة
الصّلاة
شرع الله -تعالى- الصّلاة وكتبها على عباده المسلمين، فجاء أمر الله -تعالى- بها والتّأكيد على فرضيتها في مواطنٍ كثيرةٍ من القرآن الكريم ومن السنّة النبويّة، ومن ذلك قول الله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)، وقد جاء الأمر من الله -تعالى- للنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وللمسلمين أجمعين بأداء الصّلاة في آياتٍ كريمةٍ كثيرةٍ، كما في قول الله تعالى في سورة الإسراء: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا)، وإنّ ممّا يؤكِّد أهميّة الصّلاة وعِظم منزلتها؛ جعلها ركناً من أركان الإسلام التي يُبنى عليها إسلام المسلم ويُقام، وشاهد ذلك ما رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، حيث قال: (بُنِيَ الإسلامُ على خَمسٍ: علَى أنْ يعبَدَ اللهُ ويُكْفَرَ بمَا دونَهُ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، وحجِّ البيتِ، وصومِ رمضانَ).
والصّلاة في اللغة مأخوذة من الجذر اللغويّ صَلَى الذي يدلّ على أصلين؛ الأوّل: النّار، فيُقال: صليت العود بالنّار، ومنه قول الله -تعالى- في أبي لهب: (سَيَصْلَىٰ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ)، وأمّا الأصل الثّاني؛ فهو الدّعاء، ومنه ما رُوي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ حيث قال: (إذا دُعِيَ أحدكُم إلى طعامٍ فليجبْ، فإن كان صائِماً فليصلّ يعني: الدعاءَ)، أي فليدعو بالخير لمن دعاه إلى الطّعام، وأمّا عن معنى الصّلاة في الاصطلاح الشرعيّ؛ فعرّفها جمهور العلماء بأنّها أقوال وأفعال مفتتحة بالتّكبير ومُختتمة بالتّسليم مع استحضار النيّة عند الشّروع بها، ولها شرائط مخصوصة.
وتنقسم الصّلوات وفق اعتباراتٍ مختلفةٍ إلى عدّة أقسامٍ، فالصّلاة باعتبار حكمها تنقسم إلى صلاة مفروضة كالصّلوات الخمس، وصلاة النّفل أو التّطوع كالسّنن التي تُؤدّى قبل أو بعد الصّلوات الخمس، وباعتبار أسبابها فتتعدّد وتختلف؛ منها: صلاة العيدين أوّل أيّام عيديّ الفطر والأضحى، وصلاة الكسوف عند كسوف الشّمس أو صلاة الخسوف عند خسوف القمر، وصلاة الاستسقاء عند انحباس المطر، وصلاة التّراويح في شهر رمضان المبارك وغيرها، وأمّا الصّلاة باعتبار كيفيَّة أدائها؛ فقد تؤدّى في جماعةٍ وقد يصلّي الفرد وحده فتكون صلاةً فرديّةً، وفي المقال الآتية سيتمّ الحديث عن صلاة الجماعة وتوضيح إحدى هيئاتها التي يكون المصلّون فيها شخصين فقط، ومن ثمّ ذِكْر فَضْل الصّلاة وثمرتها بوجهٍ عامٍّ وصلاة الجماعة بوجهٍ خاصٍّ.
كيفيّة الصّلاة لشخصين
اتّفق العلماء على أنّ أقلّ عدد لصلاة الجماعة اثنان؛ ما يعني أنّ صلاة الجماعة تنعقد وتُقبل بشخصين فقط؛ إمام ومأموم، رجل وامرأة، أو رجلان أو امرأتان، ودليل ذلك ما رواه مالك بن الحويرث رضي الله عنه، حيث قال: (أتيتُ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أنا وصاحبٌ لي، فلمّا أردْنا الإقفالَ من عندِه قال لنا: إذا حضرتِ الصلاةُ فأَذِّنا، ثمّ أَقيما ولْيؤمَّكما أكبرُكما)، أمّا كيفيّة الوقوف للصّلاة الثّنائيّة؛ فلو كان يصلّي مع الإمام رجل واحد أو صبيّ عاقل، فالإمام يقف على يساره والمأموم يقف عن يمين الإمام، وشاهد ذلك ما رواه عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (قام فصلَّى فجئتُ فقمتُ إلى جنبِه، فقمتُ عن يسارِه، قال: فأخذني فأقامني عن يمينِه)، وهذا الأصل في صلاة الإمام معه آخر، وإن وقف المأموم على يسار الإمام أو رجع فوقف خلفه جاز ذلك مع الكراهة عند جمهور الفقهاء خلافاً للحنابلة الذين ذهبوا إلى بطلان الصّلاة في تلك الحالة، وأمّا إن كانت المأمومة إمرأةً فإنّها تقف خلف الإمام إن كان الإمام رجلاً، وإن كانت الإمام امرأةً تؤم امرأةً أخرى أو جماعةً من النّساء عند من يرى جواز صلاة الجماعة للمرأة؛ فإنّهنّ يقفن صفّاً واحداً.
فَضْل الصّلاة
إنّ لأداء الصّلاة فضلاً عظيماً وثماراً جمّةً يجنيها من حافظ عليه وأقامها بحقِّها، ومن هذه الفضائل والثّمرات:
تكفِّر الصّلوات ذنوب المسّلم، وأداؤها يمحي ذنوبَه، ومصداق ذلك ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ حيث قال: (أرأيتُم لو أنَّ نهراً بباب أحدِكم، يغتسل فيه كلَّ يوم خمساً، ما تقول: ذلك يبقي من دَرَنه؟ قالوا: لا يُبقي من درنِه شيئاً، قال: فذلك مثلُ الصلواتِ الخمسِ، يمحو اللهُ بها الخطايا).
الصّلاة سبيل لراحة النّفس وطمأنينتها وسكينتها؛ ولذلك كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يقول لبلال بن رباح -رضي الله عنه- عندما يحين وقت الصّلاة: (يا بلالُ أقمِ الصلاةَ، أرِحْنا بها).
الصّلاة قُرّة عينٍ للمسلم وفسحة راحةٍ له في دنياه، لذلك كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يقول عن الصّلاة: (جُعِلَ قُرَّةُ عَيْني في الصّلاةِ).
الصّلاة وسيلة لمحافظة المسلم على نظافته؛ إذ إنّه لا بُدّ أن يكون على طهارة عند كلّ صلاة.
إنّ في أداء الصّلاة جماعة استشعار المسلمون المصلُّون بوحدتهم، وأنّهم كالبنيان المرصوص يشدّ ويؤازر بعضه بعضاً.
إنّ في اجتماع المسلمين لأداء الصّلاة في وقت ومكان واحد فرصة عظيمة لمعرفة أخبار بعضهم ويطّلعوا على أحوالهم فيتشاورون ويتعاونون.
إنّ الصّلاة تقوّي الخشية من الله -تعالى- ومن تقواه، والشّعور بمراقبته في نفس المسلم؛ ما يدفع المسّلم للانتهاء والابتعاد عن الفواحش والمنّكرات، وشاهد ذلك قول الله تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).