أحكام الميم الساكنة:
تعدّدت تعريفات علم التجويد عند العلماء؛ أحد هذه التعريفات أنّه تلاوة القران الكريم على حسب ما أنزله الله -تعالى- على نبيّه محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، بإخراج كلّ حرفٍ من مخرجه، وإعطائه صفةً من الصفات مكملاً من غير تكلّفٍ، ولا تعسّفٍ، ولا إفراطٍ، ولا تفريطٍ، ولا ارتكاب ما يخرجه عن القرآن الكريم ولقد عدّ علماء الأمة تعلّم أحكام التجويد فرض عينٍ على كلّ مسلم، فالله -تعالى- يقول :(وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا)،الصحابه نبيّ الله -صلّى الله عليه وسلّم- أخذوا هذا الأمر بقوّةٍ، فقد سمع ابن مسعود رجلاً يقرأ قول الله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ)، مرسلةً؛ أي دون أحكامٍ أو مدودٍ، فأنكر عليه ذلك بأن النبيّ -عليه السلام- لم يُقرؤها لهم هكذا، ثمّ أعادها له كما أقرأهم إيّاها رسول الله -عليه السلام- بالمدّ وباقي الأحكام، ولقد كان جبريل -عليه السلام- يدارس نبيّ الله القرآن في السنة مرّةً واحدةً، إلّا في السنة الأخيرة، فإنّه أقرأه إيّاه مرتين، كان يقرأ فيها النبي القرآن بأحكامه كاملةً لا يترك منها شيئاً، وهذا هو الوجه الصحيح لتلاوة القرآن.
أحكام الميم الساكنة.
ورد تعريف الميم الساكنة على أنّها الميم التي تأتي ساكنةً في الوصل والوقف، وذلك كما في كلمتي: الحمْد، قمْتم، وقد تأتي الميم الساكنة في الاسم والفعل والحرف، وفي وسط الكلمة أو متطرّفةً في آخرها، ولا تأتي الميم الساكنة قبل حروف المدّ الثلاثة، وذلك منعاً لالتقاء الساكنين، وأحكام الميم الساكنة كما فصّلها العلماء ثلاثة أحكامٍ؛ هي: الإخفاء الشفوي، والإظهار الشفوي، وإدغام المثلين الصغير، وفي ما يأتي بيان ذلك مع الأمثلة على كلٍّ منهم:
- الإخفاء الشفويّ، وحرفه الباء؛ فإذا وقعت الميم الساكنة في آخر الكلمة، وتلاها حرف الباء في الكلمة التالية فإنّ الميم تُخفى في الباء، مع مراعاة الغنّة بمقدار حركتين، وعلّة الإخفاء أنّ الحرفين اشتركا في المخرج، وتجانسا في الانفتاح والاستفال، فثقُل الإظهار والادغام المحض، فوقع الإخفاء، ومثال ذلك في قول الله تعالى: (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) ولا يكون الإخفاء الشفوي إلّا في كلمتين منفصلتين، وقد سمي الإخفاء الشفوي إخفاءً؛ لإخفاء الميم في الباء، وسمّي شفويّاً لأنّ مخرج الميم والباء من الشفتين.
- إدغام المثلين الصغير؛ وحرفه الميم، فإذا وقع بعد الميم الساكنة ميماً متحرّكةً في كلمةٍ واحدةٍ أو في كلميتن، فإنّ الميم الأولى تُدغم في الميم الثانية، مع إظهار غنةٍ بمقدار حركتين، ومثال ذلك في قول الله تعالى: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ)، وقوله أيضاً: (يُعَمَّر) فالميم المشدّدة تأخذ حكم الميم الساكنة التي تليها ميماً متحرّكةً.
- الإظهار الشفويّ؛ وحروفه جميع حروف اللغه العربيه باستثناء الميم والباء؛ فإذا تلا حرف الميم الساكن أي حرفٍ من حروف الإظهار الشفويّ، سواءً كان ذلك في كلمة أو في كلمتين، فإنّ الميم الساكنة تُظهر، ولا يلحق بها أي تغييرٍ أو غنةٍ، وقد سمّي الإظهار الشفوي إظهاراً لإظهار الميم عند إلحاق أيّ حرفٍ من حروف الإظهار الشفويّ بها، وسمّي شفوياً لأنّ الميم تخرج من الشفتين، وعلّة حكمه التباعد بين الميم مخرجاً وصفةً مع معظم حروف الإظهار الشفوي، ومثال ذلك في القرآن الكريم كثيرةً جداً، يُذكر منها: (أَمْشَاجٍ) وقوله أيضاً: (يَومِكُم هـذا)،وهناك حكمٌ يتفرّع من الإظهار الشفوي، وهو أشدّ حالات الإظهار الشفوي من بين الحروف كلّها، والحكم لحرفين؛ هما: الواو والفاء، فإذا وقع أحد الحرفين بعد الميم الساكنة فإنّ ذلك يعدّ أشدّ حالات الإظهار الشفويّ، وينبّه عليها المتعلّم لأحكام التجويد؛ ذلك أنّ حرف الواو مشتركٌ في المخرج مع حرف الميم، ولقرب مخرج حرف الفاء مع مخرج الميم فيُخشى على القارئ أن يسبق إلى الإخفاء فيهما، فنوّه العلماء إلى أنّهما أشدّ حالات الإظهار لتأكيد ذلك.
فضل تعلّم القرآن الكريم وتلاوته.
أنزل الله -تعالى- القرآن الكريم، وجعل فيه نوراً وهدي للناس، إذ بيّن لهم الصراط المستقيم الذي أفلحوا إن التزموه، ثمّ حذّرهم أن يتركوا الكتاب الكريم زاهدين فيه راغبين إلى سواه؛ لأنّ في ذلك خسرانٌ لهم وندمٌ، وإنّ ممّا لا شكّ فيه أنّ تطبيق القرآن وفهمه لا يكون إلّا في دراسته، وتلاوته، والإقبال عليه، ولقد حثّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- المسلمين على تعلّم القرآن الكريم وتدبّره، وذلك في العديد من المواضع، فقال في موضعٍ: (خيرُكم مَن تعلَّم القرآنَ وعلَّمه)،ومرّةً قال: (مثَلُ المؤمِنِ الَّذي يَقرَأُ القرآنَ كمَثَلِ الأُترُجَّةِ؛ رِيحُها طيِّبٌ وطَعمُها طيِّبٌ، ومثَلُ المؤمِنِ الَّذي لا يَقرَأُ القرآنَ كمَثَلِ التَّمرَةِ؛ لا رِيحَ لها وطَعمُها حُلوٌ)، وذلك ترغيباً للمسلم أن يتعلّم القرآن ويطبّقه في حياته، وإنّ لمن تعلّم القرآن وأقبل عليه أجوراً عظيمةً، منها:
- الخيريّة لأهل القرآن في الدنيا والاخره في العموم، وذلك بشهادة النبيّ عليه السلام، حيث قال: (خيرُكم مَن تعلَّم القرآنَ وعلَّمه).
- رفع درجات ومنازل قارئ القرآن في الاخره عمّن سواه، وفي ذلك قال النبيّ عليه السلام: (مثَلُ الَّذي يقرَأُ القرآنَ، وهو حافِظٌ له، مع السَّفَرةِ الكِرامِ البرَرةِ، ومثَلُ الَّذي يَقرَأُ القرآنَ، وهو يتَعاهَدُه، وهو عليه شَديدٌ، فله أجرانِ).
- حفظة القرآن هم أهل الله وخاصّته، كما ورد عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
- تغشّي رحمه لمن جلس مجلساً يُقرأ فيه القرآن، ليتدبّره ويتعلّمه، حيث قال النبيّ عليه السلام: (وما اجتمعَ قومٌ في بيتِ من بيوتِ اللهِ، يتلون كتابَ اللهِ، ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلتْ عليهم السكينةُ، وغشيتْهم الرحمةُ وحفّتهم الملائكةُ، وذكرَهم اللهُ فيمن عنده).
م التجويد