من هو صقر قريش
- هو أبو المطرَّف عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك، المولود سنة 113هـ، كان أبوه معاوية أبرز المرشحين للخلافة بعد جدّه هشام، لكنّه سقط عن صهوة فرسه في رحلة صيد فمات، وكان عمر عبد الرحمن يومها عمره بضع سنين، فنشأ الطفل في رعاية جده، وكان الفاتح الكبير وقائد الجيوش آنذاك مسلمة بن عبد الملك يلمح في الغلام عبد الرحمن علامات النجابة والذكاء والتميز، وتنبأ له بحيازة الخلافة في قادم الأيام رغم أنه ابن جارية من البربر لا يمكن له تولي الخلافة حسب قانون الدولة الأموية، وصدق توقع مسلمة، وبلغ الطفل غاية عظيمة نال من خلالها لقب صقر قريش.
- حين بدأ زحف العباسيين من المشرق كانت الدولة الأموية في ضعف كبير وتخبط بين أبناء الأسرة ترك الدولة في مهب ثورات ونزاعات داخلية لا تنتهي، وحين وصل العباسيون إلى دمشق قتلوا جميع الأمراء الأمويين وأبنائهم وأحفادهم، وتمكّن معاوية وابنه وأخوته من الفرار، فاختبأوا في قرية على أطراف الفرات مدة سنتين إلى أن اكتُشف أمرهم ففرّ عبد الرحمن وأخوه الصغير، ثم أدركتهم شرطة العباسيين عند النهر، وأغرتهم بالعودة والأمان، فتابع عبد الرحمن السباحة عبر النهر؛ فيما رجع أخوه خوفًا من الغرق وطمعًا بأمان كاذب، فقتله العباسيون
- عبد الرحمن طريقه مع خادمه بدر إلى إفريقيا مرورًا بقرى فلسطين، ثم تابع باتجاه القيران؛ حيث اجتمع عليه الخوارج يريدون قتله، ففر منهم إلى برقة التي مكث فيها أربع سنين، بلغ فيها سن 23 من العمر، وفيها بدأ بدراسة الوضع في إفريقيا؛ ليعرف خصومه وحلفاءه، واستطاع تكوين عدد كبير من المؤيدين والداعمين الذين حموه من عدوه عبد الرحمن بن حبيب والي إفريقا زمن الأمويين، ثم انتقل إلى كنف أخواله من البربر في أقصى الغرب، وهناك درس أوضاع الأندلس التي وجدها المكان الأفضل لاستعادة مجد الأمويين؛ مستغلًا اضطرابها الكبير، ورغبة أهلها بعودة الاستقرار
دخول صقر قريش إلى الأندلس
- في المغرب راسل عبد الرحمن من تبقى من الأسرة الأموية وجميع محبي الدولة الأموية ليعرض عليهم فكرته، فاستجاب له البربر، ورأوا فيه المخلّص للأندلس مما حلّ بها من الخلاف والنزاعات العصبية، والفرقة التي أثقلت كاهل الناس وزادت أطماع ملوك فرنسا باستعادة الأندلس
- راسل صقر قريش الحلفاء في الأندلس عن طريق خادمه بدر، وانتظر الفرصة السانحة والزمان المناسب؛ ليبحر إلى الأندلس في ربيع الثاني من سنة 138هـ؛ حيث التفّ حوله قرابة ثلاثة آلاف من الفرسان أغلبهم من البربر الأشداء، وانطلق يفتح المدن والقرى، وبايعه الكثير من أهل المناطق التي دخلها، ثم تقدّم باتجاه قرطبة حاضرة الأندلس، وحاول عبد الرحمن الفهري ونائبه الصميل استمالة صقر قريش دون جدوى، فالتقى الجيشان في موقعة المصارة، فانتصر جيش صقر قريش، ودخل قرطبة وبدأ بتأسيس الدولة الأموية الجديدة فيها، متغلبًا على جميع خصومه وأعدائه، وقد حمل الشاب لقب عبد الرحمن الداخل؛ لأنه أول دخل قرطبة من بني أمية حاكمًا
حكمة
عُرف صقر قريش بدهائه السياسي وحنكته في قيادة الدولة الناشئة، وكان شاعرًا حكيمًا، يعلم أحكام الشريعة، وقد أشرف من بداية عهده على الإصلاحات الداخلية بنفسه في مختلف مؤسسات الدولة من جيش وديوان وحسبة، واعتنى بالأسطول البحري عناية فائقة لرد المتربصين والأعداء، كما أولى الجانب العلمي والحضاري اهتمامًا كبيرًا، فتقرب من العلماء ورجال الدين والمثقفين والمفكرين، وكان متواضعًا معهم يخالط عامّة الناس ويصلي فيهم، وأنشأ العديد من المدن والحدائق، وبنا دارًا لسك النقود، وحكم 33 سنة بلغت فيها قرطبة وأشبيلية وغيرهما من مدن الأندلس ذروة المجد، وتوفي صقر قريش في قرطبة ودفن فيها سنة 172هـ عن عمر ناهز 59 عامًا