لم يكن سراقة بن مالك مشهوراً كغيره من كبار الصّحابة، لكنّه كان أحد الصحابة الأجلّاء الذين لاقوا النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وجالسوه، وقد جاء ذكر اسمه في بعض كتب الأنساب والسير التي اختصّت بتعريف الصحابة، وبيان أنسابهم وأسمائهم، وذكر بعض المعلومات الواردة عنهما، فسراقة بن مالك هو الصحابي الجليل سراقة بن مالك بن جُعْشُم بن مالك الكناني المدلجي، يُكنّى بأبي سفيان، أسلم بعد فتح مكة، وتوفي في خلافة سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، فعاصر خلافة أبي بكر الصديق، وخلافة عمر بن الخطاب، وشيئاً من خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنهم، فكانت وفاته في السنة الرابعة والعشرين من الهجرة النبوية الشريفة، وقيل: إنّ وفاته كانت بعد ذلك.
سراقة بن مالك قبل الإسلام
في حادثة الهجرة النبوية من مكّة المكرمة إلى المدينة المنورة، كان سُراقة بن مالك يقتفي أثر النبي صلّى الله عليه وسلّم، وصاحبه أبا بكر الصدّيق رضي الله عنه؛ حيث لحِق بهما في أثناء سفرهما في الطريق بين مكّة والمدينة، وعندما أدرك سراقة بن مالك النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وصاحبه وعده النبي -صلّى الله عليه وسلّم- إن عاد ولم يبلّغ أحداً من قريش أو غيرهم بمكانه وصاحبه أن يعطيه سواريّ كسرى بن هرمز بعد فتح مملكته من قِبل المسلمين، وقد ورد في تلك الحادثة ما رواه سراقة بن مالك في صحيح البخاري؛ حيثُ قال: (فبَينَما أنا جالِسٌ في مَجلِسٍ مِن مَجالِسِ بَني مُدْلِجٍ، أَقبَلَ رَجلٌ مِنهُم، حتَّى قام عَلينا ونَحنُ جُلوسٌ، فَقال: يا سُراقةُ، إنِّي قدْ رَأيتُ آنِفاً أَسْوِدَةً بالسَّاحلِ، أُراها مُحمَّداً وأَصحابَه، قال سُراقَةُ: فعَرَفتُ أنَّهم هُم، فقُلتُ لَه: إنَّهم لَيسوا بِهم، ولكنَّك رَأيتَ فُلاناً وفُلاناً، انطَلَقوا بِأَعيُنِنا، ثُمَّ لَبِثتُ في المَجلسِ ساعةً، ثُمَّ قُمتُ فدَخَلتُ، وأَخَذتُ رُمْحي، فخَرَجْتُ به مِن ظَهرِ البَيت، حتَّى دَنَوتُ مِنهُم، ساخَتْ يَدَا فَرَسي في الأَرضِ، حتَّى بَلَغَتا الرُّكبَتينِ، فَنادَيتُهم بِالأمانِ، فوَقَفوا، فرَكِبتُ فَرَسي حتى جِئتُهم، ووَقعَ في نَفسي حينَ لَقيتُ ما لَقيتُ منَ الحَبسِ عَنهُم، أنْ سيَظهَرُ أمرُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فقُلتُ لَه: إنَّ قَومَك قد جَعَلوا فيكَ الدِّيَةَ، وأَخبَرتُهم أَخبارَ ما يُريدُ النَّاسُ بِهم، وعَرَضوا عَليهِمُ الزَّادَ والمَتاعَ، فلم يَرْزَآني ولَمْ يَسأَلاني، إلَّا أنْ قال: أخْفِ عنَّا، فسَألتُه أنْ يَكتُبَ لي كِتابَ أمْنٍ، فأَمرَ عامِرَ بنَ فُهَيرةَ، فكَتبَ في رُقعةٍ مِن أَديمٍ، ثُمَّ مَضى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم).
إسلام سراقة بن مالك
إنّ إسلام سراقة بن مالك -رضي الله عنه- كان بعد فتح مكة، وقد روى بنفسه حادثة إسلامه، فالنبي -صلّى الله عليه وسلّم- كان قد كتب إليه كتاباً في حاثة الهجرة، وقد احتفظ سُراقة بن مالك بذلك الكتاب حتى يوم فتح مكّة، فذهب ليَلقى النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بمنطقة اسمها الجِعِرّانة، وهي منطقة ماء بين الطائف ومكّة، وهي أقرب ما تكون إلى مكّة المكرمة، وكان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- حينها عائداً مع إحدى الكتائب ومعه خيل الأنصار، فدخل إليه سُراقة بن مالك ومعه الكتاب، فردَّه المقاتلين من الأنصار عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- برماحهم، فرفع الكتاب عالياً وقال: (يا رسول الله، هذا كتابك لي، أنا سراقة بن جعشم)، فأمره النبي -صلّى الله عليه وسلم- بالاقتراب منه، فأسلم يومها.
وقد روى سُراقة عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عدداً من الأحاديث، ومن بعض ما رواه سراقة عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه سأل النبي ذات مرة فقال: (يا رسولُ اللهِ أخبِرْنا عن أمرِنا كأنَّا ننظُرُ إليه أبما جرَتْ به الأقلامُ وثبَتَت به المقاديرُ أو بما يُستأنَفُ؟ قال: لا بل بما جرَتْ به الأقلامُ وثبَتَت به المقاديرُ، قال: ففيمَ العملُ إذاً؟ قال: اعمَلوا فكلٌّ ميسَّرٌ، قال سراقةُ: فلا أكونُ أبداً أشدَّ اجتهاداً في العملِ منِّي الآنَ).