تعهّد الله -تعالى- بحفظ القرآن الكريم، والعناية به؛ إذ وضعه في بداية الأمر في كتابٍ مكنونٍ* في السماء، وأقسم قسماً عظيماً في حقيقة حفظه له، إذ قال: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ*فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ*لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ*تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ)؛ فقد حَفَِظه في اللوح المحفوظ مَخفيّاً عن الأعين، لا يمسّه أو يطّلع عليه أحدٌ إلّا الملائكة الكرام التي تحفظه، قال -تعالى-: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ*فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ)، كما يُؤكّد الله -تعالى- على أنّ القرآن محفوظٌ بنزوله من السماء إلى الأرض؛ إذ أُنزِل بواسطة ملائكةٍ مُطهَّرين دون إمكانية وصول أيّ روح سيّئةٍ أو خبيثةٍ إليه، فحُفِظ من الشياطين، قال -تعالى-: (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ*وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ). وقد تلقّى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- القرآن حين نزوله، وحفظه بشكلٍ كاملٍ، وعمل به، وبلّغه للناس أتمّ بلاغٍ، وقد تكفّل الله بأن يحفظ القرآن الكريم في صدر النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، فلا يُستصعَب أمره، ولا يُنسى منه شيء، كما حَرِص النبيّ على تدارُسه ليلاً ونهاراً، وكان يُقيم الليل تالياً له في صلاته حتى قِيل إنّ قدمَيه تفطّرتا، وكان جبريل -عليه السلام- يأتي إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- مرّةً في كلّ عامٍ يقرأ عليه القرآن؛ ليتأكّد من ثباته في قلب النبيّ، وكان قد أتاه مرّتَين للغرض ذاته قبل وفاته، أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (إنَّ جِبْرِيلَ كانَ يُعَارِضُنِي القُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وإنَّه عَارَضَنِي العَامَ مَرَّتَيْنِ، ولَا أُرَاهُ إلَّا حَضَرَ أجَلِي).
لم يتم جمع القرآن الكريم في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام لأسباب عديدة، منها أنّه كان هناك عدد كبير من الصحابة يحفظون القرآن فالفتنة من تحريف القرآن آمنة، وكذلك استمر نزول القرآن الكريم ثلاثةً وعشرين سنة، وأيضاً كان النبي ينتظر خلال فترة نبوته أن ينزل عليه الوحي بآيات كريمات من كتاب الله عزّ وجل، والسبب الآخر هو قلة توفر أدوات الكتابة.
بدأ جمع القرآن الكريم في عهد الصحابي أبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ نتيجة استشهاد سبعين صحابياً من حملة وحفظة القرآن الكريم في معركة اليمامة، فأشار الصحابي عمر رضي الله عنه إلى أبي بكر الصديق بجمع القرآن الكريم خوفاً من ضياعه، فأول من أمر بجمع القرآن الكريم هو الخليفة أبو بكر الصديق؛ فقام زيد بن ثابت رضي الله عنه بجمع القرآن كونه أحد كتبة القرآن الكريم في عهد محمد صلى الله عليه وسلم، فتم جمع الرقاع والعسب واللحاف وجميع ما كتبت عليه آيات القرآن الكريم، فتمّ تحرّي الدقة في كتابة القرآن وجمع القرآن، وسماه أبو بكر بالمصحف، وتم حفظه في بيت أبي بكر رضي الله عنه، ومن ثم حفظ في بيت عمر بن الخطاب، وبعد وفاته تمّ حفظه في بيت حفصة ابنة عمر بن الخطاب.
وقع الخلاف في الاختلاف بين القرّاء في عهد الخليفة عثمان بن عفان، فكان القرآن يقرأ على الأحرف السبعة التي أقرأها الرسول عليه الصلاة والسلام لأصحابه رضوان الله عليهم، فمع توسع الدولة الإسلامية واختلاف الناس من جميع الأمصار وكثرة اللغة بغير اللغة العربية، تم إرسال أمر الخليفة عثمان بن عفان إلى حفصة لتعطيهن نسخة المصحف الشريف التي كانت موجودة لديها ليتم نسخها إلى العديد من النسخ وتوزيعها على الأمصار وتوحيد قرآءة القرآن الكريم تحت قرآءة واحدة، وبهذا حفظ الله تعالى الذكر ( القرآن الكريم ) من االتحريف والقرآن الذي بين أدنا هو ما أنزله الله تعالى على خير الخلق محمد عليه الصلاة والسلام.