يوم التروية ، ماهو يوم التروية ، الحج ، أعمال يوم التروية
الحج
فرض الله سبحانه وتعالى على المسلمين فرائض، وجعل لتلك الفرائض أعمالاً ينبغي على المسلم القيام بها لتكون أعماله صحيحةً مقبولة؛ فالحجّ فهو من أكثر العبادات التي تتطلّب العديد من الأمور لفعلها، ومن تلك الأمور والأعمال ما يتعلّق بيوم التروية ويسبق وقفة عرفة، وقد أُخذت أعمال الحج عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ومنها أعمال يوم التروية؛ حيث إنّ بعضها لم يأتِ بيانُه في الشريعة إلا من هذا الباب، فما هو يوم التروية؟ وماذا يُقصد به؟ وكيف ارتبط بالحج؟ وما هي الأعمال التي
يقوم بها المسلم في هذا اليوم؟
ما هو يوم التروية
يوم التروية هو اليوم الثامن من أيام شهر ذي الحجة، وفيه يذهب الحُجَّاج إلى منى للمبيت فيها، وقد سُمّي يوم التروية بذلك لأنَّ الحُجاج كانوا يتروّون من الماء فيه، ويعدّونه لوقفة عرفة ويومها، بينما ذكر ابن قدامة المقدسي في كتابه المغني أنَّ سبب تسمية يوم التروية بذلك أنَّ إبراهيم -عليه السلام- رأى ليلة الثامن من ذي الحجة (ليلة يوم التروية) في المنام أنّه ذبح ابنه إسماعيل -عليه السلام- فأصبح يروي في نفسه ويُخاطبها بحقيقة ما رأى هل هو حُلُم، أم هو رسالةٌ من الله ينبغي
عليه الامتثال لها، فسُمي بيوم التروية لأجل ذلك.
أعمال يوم التروية
يبدأ يوم التروية بغروب شمس اليوم السابع من ذي الحجة،
وينبغي فيه للذي يُريد الحج قارناً أو متمتعاً أو مفرداً أن يقوم بعدة أعمال وأمور
منها:
يُستحب في يوم التروية للذي أحل بالعمرة (المتمتع) أن يُحرم بالحج في وقت الضحى من مسكنه الذي يُقيم فيه فترة الحج، وكذلك الحال لمن نوى الحج من أهل مكة، أمّا القارن والمفرد فَهُم على إحرامهم الرئيسي؛ حيث إنَّ القارن يقرن بين الحج والعمرة ويستمرّ إحرامه بينهما، والمفرد يبدأ بمناسك الحج ولا يأتي بعمرة، أمّا استحباب الإحرام للمتمتع في يوم التروية فدليله قول جابر -رضي الله عنه- في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: (فحلّ الناس كُلُّهم وقصَّروا إلا النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومن كان معه هديٌ، فلما كان يومُ الترويةِ توجَّهوا إلى مِنى فأهلُّوا بالحجِّ وركب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فصلَّى به الظهرَ والعصرَ والمغربَ
والعشاءَ والفجرَ ثم مكث قليلًا حتى طلعتِ الشمسُ)، فيفعل في إحرامه كما فعل عندما أحرم من الميقات، ويجوز له أن يُحرم من مكة، كما يجوز له أن يُحرم من خارجها. يُستحبّ للحاج في يوم التروية وقبل الإحرام أن يغتسل ويتنظَّف ويتطيّب إن كان متمتّعاً كما سبق بيانه، ويفعل تماماً ما يفعله الذي يريد الإحرام.
يُستحبّ للحاج يوم التروية أن ينوي الحج بقلبه ثم يبدأ بالتلبية قائلاً: لبيك اللهم حجًّا، أمّا إن خاف ألّا يتمكّن من إتمام الحج لعائقٍ
يعترضه فيجوز له الاشتراط في النية، فيقول: فإن حبسني حابسٌ فمحلّي حيث حبستني، أمّا إن كان يريد الحج عن غيره فينوي بعد أن يقرن اسم الذي يريد الحج عنه فيقول: لبيك اللهم حجًّا عن فلان ويُسمّيه، أو عن فلانة مع ذكر اسمها، ثمَّ يبدأ بالتلبية قائلاً: (لبيك
اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)، ويجوز أن يزيد على الصيغة قائلاً: (لبيك إله الحق لبيك)؛ حيث ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
يُستحبّ للحاج يوم التروية أن يتوجَّه إلى مشعر منى في فترة الضحى وقبل الزوال، كما ينبغي عليه في هذه الفترة أن يُكثر من التلبية.
بعد أن يصل الحاج إلى منى يصلّي فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويمكث فيها حتى فجر اليوم التاسع من ذي الحجة؛ فيُصلّي الفجر فيها، وتكون صلاته في منى قصراً بلا جمع؛ إلا صلاتيّ المغرب والفجر فإنّهما لا يُقصَران أصلاً،
وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعل ذلك في الحديث الذي يرويه جابر -رضي الله عنه- يقول: (فلمَّا كان يومُ التَّرويةِ توجَّهوا إلى منًى فأهَلُّوا بالحجِّ، ركِب
رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فصلَّى بها الظُّهرَ والعصرَ والمغربَ والعشاءَ
والصُّبحَ ثمَّ مكَث قليلًا حتَّى طلَعتِ الشَّمسُ)، وينبغي الإشارة هنا إلى أنه يجوز
لأهل مكة كذلك القصر في الصلوات الخمس يوم التروية حيث أن النبي - صلى الله عليه وسلم
- قد أمَّ الناس فيه قصراً، وكان فيمن صلى خلفه أناسٌ من أهل مكة فلم يأمرهم بالإتمام،
ولو كان ذلك واجباً لأمرهم به.
يستحبُّ أن يبيت الحاج في منى ليلة يوم عرفة؛ وذلك
لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إذا طلعت شمس يوم عرفة انطلق إلى جبل عرفة مُلبّياً،
لما رُوي عن مالك عن محمد بن أبي بكر الثقفي: (أنَّهُ سألَ أنسَ بنَ مالكٍ وهمَا غَادِيَانِ
من مِنًى إلى عرفَةَ: كيفَ كنتُم تصْنَعونَ في هذا اليومِ معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ
عليهِ وسلَّمَ؟ فقالَ: كانَ يُهِلُّ منَّا المُهِلُّ فلا يُنْكِرُ عليهِ، ويُكَبِّرُ
منَّا المُكَبِّرُ، فلا يُنْكِرْ عليهِ).
إنَّ جميع الأعمال التي ذُكرت -على أنّه ينبغي على
الحاج القيام بها يوم التروية- إنّما هي على سبيل الاستحباب لا الوجوب، فلو لم يقُم
الحاج بشيءٍ منها ثم أحرم يوم عرفة وابتدأ الحج منه فقد جاز حجُّه، ولكنّه يكون قد
خالف سنّة النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي ثبت عنه في الصحيح قيامه بتلك الأعمال كما
مرَّت، فينبغي على الحاج الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ليحصل على الأجر التام
في الحج، ولكي لا يفوته فضل الاقتداء بالنبي في أعمال يوم التروية وإدراكاً لأجر القيام
بها.