وقعت معركة عين جالوت في عام 658هـ، الموافق 1260م، حيث تمثَّل طرفاها بقُوّات الجيش الإسلاميّ بقيادة رُكن الدين بيبرس، وجيش التتار بقيادة كتبغا؛ إذ إلتحم الجيشان في منطقة عين جالوت، في صباح يوم الجمعة المُوافق 25 من رمضان من عام 1260م، وانتهت هذه المعركة بانتصار المُسلمين المماليك، وموت عدد كبير من الجنود التتار، وعلى رأسهم القائد كتبغا، وتمَّ أَسْر ابنه؛ نتيجةً لهزيمة التتار هزيمة ساحقة أفقدَتهم مكانتهم في المنطقة، فكان نصراً عظيماً للإسلام، والمُسلمين؛ لما لمعركة عين جالوت من دور مهمّ في حماية العالَم الإسلاميّ في الغرب من مكائد التتار، وشرورهم، بالإضافة إلى ما كان لها من أثر بارز في ازدهار الحضارة الإسلاميّة في مصر بعد أن انتقلت الخلافة الإسلامية إليها.
أسباب معركة عين جالوت
يعتبر السبب الرئيسيّ وراء معركة عين جالوت هو غزو التتار، وبَطْشهم، وظُلمهم في الشام، وبغداد، والجزيرة العربيّة؛ فقَبل خوض معركة عين جالوت بنحو 30 عام، بدأت جماعات عسكريّة كبيرة من التتار بالخروج من سهول آسيا الوُسطى بقيادة جنكيز خان، واتَّجهت هذه القُوّات إلى مناطق أواسط الصين، وشمال غربيّ الهند، وخراسان، فتمكَّنت من اجتياحها، كما دخلت سهول روسيا، واتَّجهت نحو الجنوب الغربيّ، وأحكمَت سيطرتها على بلاد فارس (إيران)، وفي عهد القائد التتاريّ هولاكو، استمرَّت قُوّات التتار في توسيع نفوذها إلى أن وصلت إلى عاصمة الخلافة العباسية مدينة بغداد في صفر من عام 656هـ، الموافق لشباط/فبراير من عام 1258م، واستطاعوا إحكام سيطرتهم عليها، وإجبار الخليفة العبّاسي المُستعصِم بالله على ان يستسلم، حيث قتلوه، وقتلوا أفراد أسرته، ورؤوس الدولة العبّاسية، كما دمَّروا مرافق بغداد، وسفكُوا دماء أهلها دون شفقةٍ، أو رحمة، وكانت هذه هي الأنفاس الأخيرة للدولة العبّاسية، إذ انهارت، وسقطت بعد أكثر من خمسة قرون من الحُكم.
وبعد هزيمة الدولة العبّاسية في بغداد، طَمِع هولاكو في حُكم الشام، والجزيرة العربيّة، وتمكَّن في ربيع الأوّل من عام 658هـ، الموافق لعام 1260م، من إحكام سيطرته على الشام بَعد استسلام دمشق، ولم يكتفي بهذا القَدر، بل بدأ بالتخطيط لغَزو مصر، وكان أوّل ما فعله إرسال تهديد شديد اللهجة إلى السُّلطان قُطُز (سلطان مصر آنذاك)، فما كان من السُّلطان قُطُز إلّا أن ردَّ عليه ردّاً قويّاً؛ حيث قتل السُّفراء التتار، وبدأ بالإعداد العسكريّ، وجَمعَ قُوّاته، وجيشه، وأمرَ بالجهاد، والقتال في كافّة بلاد الإسلام، كما عيَّن القائد المصريّ ركن الدين بيبرس؛ ليكون قائداً لجيشه الذي انطلق إلى الشام؛ لملاقاة جيش التتار، أمّا هولاكو فقد أوعزَ قيادة الجيش إلى نائبَيه: كتبغا، وبيدر، فكان لقاء الجيشَين في معركة عين جالوت الشهيرة.
نتائج معركة عين جالوت
ترتّبَت على انتصار المُسلمين في معركة عين جالوت مجموعة من النتائج التي كان لها الأثر البارز في حاضر المنطقة، ومستقبلها، وأهمّ هذه النتائج:
إحكام الدولة الإسلاميّة سيادتها على ديار الشام، ومَحْو الاعتقاد السائد في نفوس بعض المسلمين بأنّ المغول قوّة لا يُمكن هزيمتها، حيث وصل بهم الحال إلى اليأس من النصر على التتار؛ بسبب ما حقَّقوه من فتوحات، وانتصارات في بلاد المسلمين.
النفوذ الكامل للمماليك على بلاد الشام؛ فقد سيطروا على المنطقة المُمتَدَّة من حلب في الشمال، إلى بلاد النوبة في الجنوب، ومن نهر الفرات في الشرق، إلى بُرقة في الغرب.
تحوُّل مناطق الشام إلى ولايات، أو نيابات كُبرى خاضعة لحُكم المماليك.
انهيار الدولة الأيوبية، وخضوع الحُكّام الأيّوبيين للسيادة المملوكيّة، ومنهم: الملك الأشرف موسى الذي استجابَ لقرارات المماليك بولاية حمص، والملك المنصور الذي تولَّى حُكم حماة، وخَلَفه أبناؤه من بَعده.
نَيل المماليك مكانة مهمّة، وعظيمة في نفوس الملوك، والرعيّة، ودورهم البارز في حماية العالَم الإسلاميّ، واعتبارهم سلاطين شرعيّين للدولة الإسلاميّة، حيث امتدَّت شرعيَّتهم إلى الحجاز، وبلاد النوبة، وبادية الشام، وبلاد السودان الجنوبيّ، وبلاد بُرقة، والأجزاء الغربيّة من الدولة الحفصيّة.
وَضْع حَدٍّ لزَحْف المغول إلى الغرب باتّجاه شمال أفريقيا، والمغرب العربيّ، وأوروبا.
تحسين العلاقات القائمة بين المماليك، والمغول من القفجاق المُسلمين في المناطق الواقعة إلى الشمال من بحر قزوين، والاتِّفاق في ما بينهم على تحالُف مُشترَك ضِدّ أسرة هولاكو المُسيطِرة على إيران، والعراق.
فَشَل الخُطّة الصليبيّة في الشرق الأدنى بشأن التحالُف المُشترَك مع المغول؛ لمُحارَبة المسلمين، حيث فَشِلت هذه الخُطّة؛ بسبب هزيمة المغول في معركة عين جالوت، وهو ما مهَّد الطريق فيما بَعد لهزيمة الإمارات الصليبيّة في بلاد الشام.
زيادة توتُّر العلاقات بين المماليك، والمغول الإيلخانيّين في بلاد فارس (إيران)، والعراق.
محاولات المغول بشكل مُستمِرّ في استرداد بلاد الشام التي كانت واقعة تحت سيطرتهم، حيث خاضت العديد من المعارك، مثل: معركة حمص الأولى، ومعركة حمص الثانية، ومعركة شقحب، ومعركة دمشق، وغيرها من المعارك، والحروب.
إجبار سلاجقة الروم في الأناضول على التحالُف مع المغول؛ لمُحارَبة المماليك، ممّا دَفَع المماليك إلى مُحارَبتهم، والقضاء على قُوّاتهم، والسيطرة على عاصمتهم آنذاك (قيسارية)، وكان ذلك في عام 675 للهجرة.
استعادة الوضع الطبيعيّ للإسلام، من حيث مكانته كقُوّة كبيرة، ومُؤثِّرة، ويقول دي ميسبيل (الأُسقُف الغربيّ) في هذا الصدد: "وهكذا نرى الإسلام الذي أشرفت قُوّته على الزوال يستردُّ مكانته، ويستعيد قُوّته، ويصبح أشدَّ خطراً من ذي قَبل".
ارتفاع الروح المعنويّة للمسلمين، حيث قال ابن كثير عن ذلك: "فما إن جاءت البشارة بالنصر صبيحة يوم الأحد السابع والعشرين من رمضان، حتى أتبعَهم المسلمون من دمشق يقتلون، ويأسرون، ويغنمون، ويستفِكّون الأسارى من أيدي المغول قهراً".
انتقام المسلمين من الصليبيين أشدَّ انتقام بعد أن بطشوا، ونكَّلوا بالمسلمين، واستغلُّوا احتلال المغول للشام، وآذَوا المُقدَّسات الإسلاميّة، وانتهكوا الحُرُمات، وبذلك كان انتصار المسلمين في معركة عين جالوت جزاءً وِفاقاً لما فَعَله الصليبيّون.