الذنوب الكبائر في الإسلام أنواع الكبائر في الإسلام
يُعرّف الذنب على أنه الإثم، أو الجرم، أو المصعية، أو ارتكاب أمرٍ غير مشروع، ومن الجدير بالذكر أن الذنوب لا تقاس بحجمها، وإنما تقاس على من اجترأ العبد عليه، فقد قال بلال بن رباح رضي الله عنه: "لا تنظر إلى صغر الذنب، ولكن أنظر على من اجترأت"، ولذلك كلما زاد الإيمان في القلب، زاد الإحساس بقرب الله -تعالى- وعظمته، مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإحْسَانُ أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ)، وكلما شعر العبد أن الله -تعالى- معه استحى منه، وكلما استشعر عظمة الخالق رأى الذنب الصغير في حقه عظيماً، وقد بيّن أهل العلم أنه كلما عظم الذنب عند العبد صغر عند الله تعالى، وكلما صغر الذنب عند العبد كبر عند الله تعالى، حيث إن المؤمن ينظر إلى الذنب كالجبل على صدره، بينما يرى المنافق ذنبه كذبابة طردها.
وفي الحقيقة أن للذنوب والمعاصي آثار سلبية خطيرة في الدنيا والآخرة، ويشمل تأثيرها البدن والقلب، ومنها: حرمان العلم، لا سيما أن العلم نور، والمعصية تحرم العبد من ذلك النور، وتفسد العقل وتُذهب نوره، بالإضافة إلى أن تكرار المعاصي يؤدي إلى حبها وأُلفتها، إلى أن يتباهى فاعلها ويجاهر بها فلا يُعافى منها، كما أن المعاصي تورث الذل، وتزيل النعم، وتسبب غضب الله -تعالى- ونقمته، فتحل لعنته على العاصي، وقد تكون المعاصي سبباً للزلازل والخسف، وفساد البلاد والعباد.
الكبائر في الإسلام
الكبائر جمع كبيرة، وتُعرّف الكبيرة لغةً على أنها الشيء العظيم، حيث تقول العرب أكبرت الشيء أي استعظمته، ومنها قول الله تعالى: (فَلَمّا رَأَينَهُ أَكبَرنَهُ)، أي عظّمنه، وبناءً على ما سبق يمكن القول أن الكبائر هي الذنوب العظيمة، وتجدر الإشارة إلى أن أهل العلم قد قسّموا الذنوب إلى صغائر وكبائر، ولكنهم اخلتفوا في حصر عدد الكبائر من الذنوب، حيث قال فريق منهم بأن للكبائر عدد محدد، ولكنهم اختلفوا فيما بينهم في عددها بسبب عدم ورود دليل من القرآن الكريم أو السنة النبوية يدل على حصر عددها، فمنهم من قال أن عددها أربعة، وقيل إن عددها سبعة، وقيل إنها تسعة، وقيل إن عددها سبعمائة، ورُوي عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: "هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع"، أما الذين قالوا بعدم حصر الكبائر بعدد معين فقد اختلفوا فيما بينهم في الضابط الذي يفرّقون به الكبائر عن الصغائر، ويمكن بيان أقوالهم فيما يأتي:
اتفاق جميع الشرائع على التحريم: حيث يرى أصحاب هذا القول أن الضابط في تحديد الكبائر اتفاق جميع الشرائع على تحريمها، وأن الذنوب التي تحرّمها شريعة دون أخرى تعد من الصغائر، ومما يدل على ضعف هذا القول أن زواج المحارم أو بعض المحرمات من الرضاعة لم يكن محرماً في بعض الشرائع، بالإضافة إلى استحالة تحديد ما اتّفقت عليه جميع الشرائع بسبب عدم وجود عالم بتلك الشرائع على وجهها.
ترتّب الحد عليها في الدنيا: حيث يرى أصحاب هذا الرأي أن الكبائر تشمل كل ذنب يترتب عليه حد في الدنيا، أو عذاب، أو وعيد، أو غضب، أو لعن، أو تهديد في الآخرة، وهذا هو القول المأثور عن السلف.
قصد ارتكاب الذنوب: حيث يرى أصحاب هذا القول أن الكبائر ما تعمّد الإنسان فعله من الذنوب، وأنّ ما وقع عن طريق الخطأ أو النسيان يعد من الصغائر، وقد بيّن ابن القيم -رحمه الله- ضعف هذا القول؛ لأن ما وقع عن طريق الخطأ والنسيان والإكراه لا يُعد من المعاصي.
كل المعاصي: وهذا القول منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقد علّق عليه البيهقي -رحمه الله- قائلاً: "يحتمل أن يكون هذا في تعظيم حرمات الله، والترهيب عن ارتكابها، فأما الفرقُ بين الصغائر والكبائر فلا بد منه في أحكام الدنيا والآخرة على ما جاء به الكتاب والسنة".
الاستحلال: حيث يرى أصحاب هذا الرأي أن الكبائر تشمل الذنوب التي يستحلّها فاعلها؛ كذنب إبليس، أما الصغائر فهي ذنوب المستغفرين كذنب آدم عليه السلام، ومما يدل على ضعف هذا القول، أن استحلال الذنوب يُعد كفراً في حال العلم بتحريمها، ويعذر في حال التأويل والتقليد، أما المستغفر فإن استغفاره يمحو الصغائر والكبائر.
أنواع الكبائر في الإسلام
تنقسم كبائر الذنوب إلى أنواعٍ عدّة، ويمكن بيان بعض هذه الأنواع فيما يأتي:
كبائر القلوب: وثمّة العديد من الأمثلة على كبائر القلوب، ومنها الكفر: وهو الجحود بوجود الله تعالى، أو إنكار أحد أسمائه وصفاته، أو تكذيب أحد كتبه، أو رسله، ويُعد الكفر من أعظم الكبائر، مصداقاً لقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّـهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ*خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ)، ومنها الشرك: وهو صرف العبادة لغير الله تعالى، أو اعتقاد وجود شريك له في الخلق أو الأمر، ويُعد الشرك من أكبر الكبائر، مصداقاً لقول الله تعالى: (إِنَّ اللَّـهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا)،ومن الأمثلة الأخرى على كبائر القلوب النفاق، والاستكبار، والسحر، والطيرة.
كبائر الجوارح: وينقسم هذا النوع من الكبائر إلى قسمين، الأول كبائر العلم والجهاد، ومن الأمثلة عليها تعلّم العلم لغير وجه الله تعالى، وكتمان العلم، والكذب على الله -تعالى- ورسوله صلى الله عليه وسلم، وترك الدعوة إلى الله، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وترك الجهاد في سبيل الله، والتولي يوم الزحف، وموالاة المشركين والاستعانة بهم في القتال، والقتال تحت راية عمياء، والقسم الثاني كبائر العبادات؛ ومن الأمثلة عليها ترك الصلاة، ومسابقة الإمام في الصلاة، والتخلف عن صلاة الجماعة، ومنع الزكاة، وترك الصيام والحج.
كبائر المعاملات: ومن الأمثلة عليها الحكم بغير ما أنزل الله تعالى، مصداقاً لقوله عز وجل: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)،وقوله تعالى: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، وقوله تعالى: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، وغش الإمام لرعيته، مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما مِن عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَومَ يَمُوتُ وَهو غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عليه الجَنَّةَ)،ومن الأمثلة الأخرى على كبائر المعاملات؛ القمار والميسر، وشهادة الزور، والتحايل على الشرع، وغش الناس.