الشافعي من أكابر فُقهاء الأمّة المعروفين، اتّصف بالكثير من الفضائل الحميدة، وقد شاع صِيته أرجاء المعمورة، وبلغت سمعة علمه الممالك والأُمم، وقد حاز الشافعيّ -رحمه الله- علماً جمّاً غزيراً، وتنقّل بين البلدان طلباََ للعلم، ونشراً له.
الإمام الشافعيّ أحد أهمِّ علماء الأمّة وأعلامها، فهو الفقيه الذي برع في الفقه حتّى على شيوخه، وهو الشاعر الذي تسامت أشعاره في البلدان لفصاحتها، وقوّة لغتها وجماليتها البلاغيّة.
نسَب الإمام الشافعيّ
الإمام الشافعيّ هو محمّد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبدالمطلب بن عبد مناف، وعلى ذلك فإنّ الإمام الشافعي يشترك في النَّسب مع النبي -صلّى الله عليه وسلّم- خير البشر قاطبةً؛ حيث يجتمع نسبهما في عبد مناف، فهو من بني هاشم من قريش، أمّا كُنيته فهي أبو عبد الله، ولعلّ ذلك النَّسب من أشرف أنساب العرب على الإطلاق، حيث إليه ينتسب المُصطفى -صلّى الله عليه وسلّم- ولا أشرف من نسبه.
مولد الشافعيّ ونشأته
وُلِد الإمام الشافعيّ -رحمه الله- سنة مئة وخمسين من الهجرة النبوية الشريفة، وكان مولده على الأرجح في مدينة غزّة إحدى مُدُن بلاد الشام، وقيل في إحدى الروايات: إنّ مولده كان في مدينة عسقلان التي تبعُد عن غزّة بضعة أميال، ولعلّ الرأي الأول هو الأقوى، وقد أمضى في غزّة التي وُلِد فيها عامين من عُمره، ثمّ انتقل إلى مكّة، فأتقن فيها كتاب الله حفظاً وأحكاماً، وقد عاش الإمام الشافعيّ يتيماً فقيراً.
وبعد أن أتقن الإمام الشافعيّ -رحمه الله- حِفظ كتاب الله وما يتعلَّق به من علومٍ، انتقل إلى دراسة الحديث النبوي الشريف، فحَفِظ الكثير من الأحاديث الصحيحة، وكان على درجة عالية من الإتقان والإجادة والعناية بما حفظه من أحاديث النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقد توجّه الإمام بعد ذلك إلى هُذيل التي تُعدّ من أفصح العرب، فأخذ منهم الفصاحة والبلاغة، وأجاد فنون اللغة، وأتقن الشِّعر ومارسه.
علم الشافعيّ
في الفترة التي برز فيها فقه الإمام الشافعيّ والفترة التي سبقته اشتُهِرت مدرستان من مدارس الفقه؛ الأولى مدرسة الحديث أو ما يُطلَق عليها مدرسة الحجاز، وقد اشتُهِرت هذه المدرسة بقيام فقهها على ما جاء في كتاب الله وسنّة رسوله -صلّى الله عليه وسلّم- وفيما ورد عن الصحابة -رضي الله عنهم- من الآثار، دون بحثٍ في أعماق النصوص، أمّا المدرسة الثانية فهي مدرسة الرأي أو ما يُطلَق عليها مدرسة العراق، وقد كانت أصول هذه المدرسة تقوم على الأخذ بالرأي من خلال استنباط الحكم من النصوص الشرعيّة من الكتاب والسنة، فتنظر في مدلولات النصوص وتأخذ منها الأحكام الشرعيّة بعد تفكير وتمحيص، أمّا الشافعيّ فقد جمع بين المدرستين ووفَّق بينهما، حيث أخذ من شيوخ مدرسة الرأي، وتتلّمذ على أيدي أبرز شيوخ مدرسة الحديث الإمام مالك وحَفِظَ موطّأه، ثمّ استنبط من هاتين المدرستين أُسُساً جديدةً، وجعل منها مذهباً مستقلاً.
فقه الشافعي
يُعدّ فقه الإمام الشافعيّ من أبرز المذاهب الفقهية المُعتبَرة عند أهل السُّنّة، كما أنّ له الكثير من الأتباع والتلاميذ، بالإضافة إلى فقه الأئمّة مالك بن أنس، وأبي حنيفة النّعمان ، وأحمد بن حنبل، فمن أين برز علم الإمام الشافعيّ، ومن هم شيوخه وتلاميذه؟
شيوخ الشافعيّ
تتلّمذ الإمام الشافعيّ -رحمه الله- على أيدي الكثير من الفقهاء والعلماء الأجلّاء البارزين في تلك الفترة، منهم من كان إمام عصره في العلم والفهم والفقه، وذِكر بعضهم فيما يأتي:
سفيان بن عُييّنة.
مسلم بن خالد الزّنجيّ.
الإمام مالك بن أنس.
وَكيع بن الجرّاح.
سعيد بن سالم القدّاح.
داود بن عبد الرحمن العطّار.
حمّاد بن أسامة.
إسماعيل بن عليّة.
عبد الوهاب بن عبد المجيد.
محمد بن الحسن الشيبانيّ، صاحب الإمام أبي حنيفة النعمان.
عمر بن أبي سلمة، صاحب الإمام الأوزاعيّ.
تلاميذ الشافعيّ
تلاميذ الإمام الشافعيّ -رحمه الله- هم أكثر من أن يُحصَروا، فإليهم يرجع الفضل في حفظ فقه الإمام الشافعيّ وتدوينه، ومن أبرز من تتلّمذ على يدَيه:
أبو بكر الحُميديّ.
أبو إسحاق إبراهيم بن محمد العباسيّ.
أبو بكر محمد بن إدريس.
أبو الوليد موسى بن أبي الجارود.
أبو علي الحسن الصباح الزعفرانيّ.
أبو علي الحسين بن علي الكرابيسيّ.
أبو ثور الكلبيّ.
أحمد بن محمد بن يحيى الأشعريّ البصريّ.
الإمام أحمد بن حنبل.
إسحاق بن راهويه.
حرملة بن يحيى بن حرملة.
يوسف بن يحيى البويطيّ.
إسماعيل بن يحيى المزنيّ.
محمد بن عبد الله بن عبد الحكم.
وفاة الشافعيّ
تُوفِّي الإمام الشافعيّ -رحمه الله- في سنٍّ مبكرة، حيث كان عُمره حين وفاته يقترب من الرابعة والخمسين، فقد تُوفّي سنة مئتين وأربعة للهجرة، وكانت وفاته في مصر في الليلة الأخيرة من شهر رجب، وتمَّ دفنه فيها، وكان الإمام الشافعيّ كالشمس للدنيا لعلمه وفهمه، وقد قال فيه العلماء العديد من الأقوال التي تُبيِّن فضله وقيمته ومكانته العلميّة، من ذلك ما قاله الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: (كان الشافعيّ كالشمس للدُّنيا، وكالعافية للبَدَن، فهل ترى لِهذَين من خلف، أو عنهما من عِوَض؟).