يعرّف الصيام لغةً بأنّه الإمساك، قال أبو عبيدة رحمه الله: (كلّ ممسكٍ عن الطعام أو كلامٌ أو مسيرٌ، فهو صائم)، أمّا شرعاً: فهو إمساك المسلم العاقل عن الطعام والشراب، وكلّ أنواع المُفطرات في شهر رمضان المبارك، من طلوع الفجر الثاني، إلى دخول وقت صلاة المغرب، والصيام مدرسةٌ ربانيةٌ تعلّم المسلمين الخشوع والانكسار لله تعالى، ويُقيم الصيام حاكميّة الله على النفس الأمّارة بالسوء، فتكون مأمورةً ومطيعةً، لا آمرةً وعاصيةً، كما أنّه ينشر الرحمة والمحبة بين الناس، ويجعلهم يشعرون بنعم الله -تعالى- عليهم، ويشعرون كذلك بغيرهم من الملهوفين والمحرومين؛ لأنّ إطلاق العنان للنفس في إقبالها على الشهوات، قد يجعل القلب قاسياً وغافلاً، أمّا خلو البطن، والابتعاد عن الشهوات فإنّه يغيّر القلب، ويزيل منه قسوته، ويضيّق على الشيطان أن يجري مجرى الدم من ابن آدم.
الحكمة من فرض الصيام
لله -تعالى- حِكمٌ في كلّ شيءٍ، كلأحكام التي شرعها على عباده، فالصيام الذي فرضه على عباده المسلمين ممّا لا شك فيه أنّ الله تعالى لم يفرضه من أجل الجوع والعطش والتعب، وإنّما هناك الكثير من الأهداف والحِكم لهذه العبادة، التي قد تُجهل عند الكثير من العباد، وفيما يأتي بيانٌ لبعضها:
يعتبر الصيام وسيلةً لتحقيق تقوى الله تعالى، وهو من أهمّ أهداف الصيام، وهو ما ذكره الله -تعالى- في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، وكما تمتنع النفس في رمضان عن الطعام والشراب، فإنّها تتربّى كذلك أن تمتنع عن المحرّمات، وتتعوّد على الإكثار من الطاعات.
الشعور بنعم الله -تعالى- التي لا تُعدّ ولا تُحصى، فعند امتناع الصائم عن الطعام والشراب وكلّ المفطرات، فإنّه يستذكر نعم الله تعالى التي يسّرها له حال فطره، فيشكره عليها حقّ الشكر.
تذكير الصائم بالفقراء والمساكين، فعندما يذوق الصائم طعم الجوع، فإنّه يتذكّر الجائع، والألم الذي يمرّ به، ممّا يجعله يُسارع إلى الرحمة والعطف عليهم، ومدّ يد العون لهم، والإحسان إليهم.
الصيام طريقٌ لقهر الشيطان، والذي يجري من ابن آدم مجرى الدم، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك: (ولا ريب أنّ الدم يتولّد من الطعام والشراب، وإذا أكل أو شرب اتسعت مجاري الشيطان -الذي هو الدم-، وإذا صام ضاقت مجاري الشياطين، فتنبعث القلوب إلى فعل الخيرات، وترك المنكرات).
التربية على مكارم الاخلاق، فالصيام مدرسةٌ تعلّم الصائمين وتدرّبهم على خصالٍ كثيرةٍ، مثل: الصبر، والنظام، والانضباط، ومراقبة الله تعالى في السرّ والعلن، وغيرها من الأخلاق الفاضلة.
يعمل الصيام على توحيد مشاعر المسلمين، فالكلّ صائمٌ، والكلّ سائرٌ على منهجٍ واحدٍ، والكلّ ممتثل لأمر الله تعالى، ولا فرق في ذلك بين غنيٍ وفقيرٍ، أو أبيض وأسود، أو عربي وأعجمي.
يُكسب الصيام الصحّة والقوة لجسم الإنسان، فقد أثبتت الدراسات العلمية وجود فوائد صحية كثيرة للصيام، مثل: إزالة السّموم من الجسم، وإراحة الجهاز الهضمي، وخفض مستويات السكر في الدم، وحرق الدهون، وتعزيز جهاز المناعة في الجسم، وغيرها الكثير من الأعراض التي يؤثّر الصيام فيها أثراً إيجابياً كبيراً.
فضائل الصيام
لعبادة الصيام العديد من الفضائل والمعاني السامية، وفيما يأتي ذكرٌ للبعض منها:
إضافة الصيام لله تعالى، فممّا يشرّف الصيام ويرفع قدره أن أضافه الله -تعالى- له، ففي الحديث عن ابي هريرة رضي الله عنه، عن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ كلُّ عمَلِ ابنِ آدمَ له إلا الصيامَ فهو لِي وأنا أجزِي بِهِ إنَّمَا يتْرُكُ طعامَهَ وشَرَابَهُ مِن أجْلِي فصيامُهُ لَه وأنا أجزِي بِه كلُّ حسنةٍ بعشرِ أمثالِهَا إلى سبعمائِةِ ضعفٍ إلا الصيامَ فهو لِي وأنا أجزِي بِهِ).
الصيام كفارةٌ للذنوب والخطايا، حيث قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (فتنةُ الرجلِ في أهلهِ ومالهِ وولدهِ وجارهِ، تكفِّرُها الصلاةُ والصومُ والصدقةُ والأمرُ والنهيُ)، ويشير الحديث السابق إلى أنّ المسلم قد ينشغل بنفسه وأهله وماله عن آخرته، فيكون الصيام حينها كفارةٌ لذلك التقصير الحاصل.
الصيام سببٌ من أسباب دخول الجنة، وقد خصّ الله -تعالى- الصائمين ببابٍ من أبواب الجنة الثمانية، يسمّى باب الرّيان، فلا يدخله أحدٌ غيرهم.
تعتبر دعوة الصائم من الدعوات المستجابة، حيث قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (ثلاثُ دَعَواتٍ مُستجاباتٍ: دعوةُ الصائِمِ، ودعوةُ المظلُومِ، ودعوةُ المسافِرِ).
يعدّ خلوف فمّ الصائم أطيب عند الله -تعالى- من ريح المسك؛ والخلوف هو تغيّر رائحة فم الصائم، وذلك من آثار الصيام، التي تعدّ من الروائح الطيبة والمحبوبة عند الله تعالى.
حكم الصيام
صوم شهر رمضان المبارك واجبٌ على كلّ مسلمٍ، وهو ركنٌ من أركان الإسلام، وقد فرضه الله -تعالى- على المسلمين في السنة الثانية للهجرة، وكان فرضه في شهر شعبان، وقد ثبتت فرضيّته في الكتاب، والسنة، والإجماع، فمن القرآن الكريم قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، ومن السنة النبوية قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (بُنِيَ الإسلامُ على خَمسٍ، علَى أنْ يعبَدَ اللهُ ويُكْفَرَ بمَا دونَهُ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، وحجِّ البيتِ، وصومِ رمضانَ)، أمّا الإجماع فقد أجمعت الأمة الإسلامية على وجوب صيام شهر رمضان، ومن أنكر هذا الوجوب فقد كفر.