الإحرام ، ماهى محظورات الإحرام ، مواقيت الإحرام
الإحرام
الإحرام مصدر الفعل أحرَمَ، بمعنى نوى الدخول في العمرة أو الحج، ومن معانيه لغةً: الإحرام بالحج أو العمرة ومباشرة أسبابهما، أما في اصطلاح الفقهاء: فذهب الحنفية إلى أن الإحرام يعني التزام حُرماتٍ مخصوصة بشرط النية مع التلبية ونحوها من الذِكر، أو ما يقوم مقام ذلك من إحضار الهدي، أو تقليد البُدْن، وذهب المالكية -على الراجح عندهم- والشافعية والحنابلة إلى أنَّه نية الدخول في النسك حجّاً كان أو عمرة، أمَّا حكم الإحرام فقد أجمع العلماء على أن الإحرام من فرائض النُّسك في الحجّ والعمرة، واختلفوا في الإحرام في كونه ركناً أم شرطاً؛ فذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه من أركان الحجّ والعمرة، وقال الحنفية: هو شرطٌ باعتبار ابتداء النُّسك، وركنٌ باعتبار انتهاء النُّسك، فأجازوا الإحرام بالحجّ قبل أشهر الحجّ مع الكراهة باعتباره شرطاً، وإن أحرم الصبيُّ ثم بلغ بعد ذلك، لم يُجزِهِ إحرامه عن حجّة الإسلام، إلا أن يجدد إحرامه وينوي حجّة الإسلام قبل الوقوف بعرفة باعتبار الإحرام ركناً.
ويُسن للحاجّ والمعتمر عند الإحرام الاغتسال، فعن النبي صلى الله عليه وسلم: (فِي حَديثِ أَسْمَاءَ بنْتِ عُمَيْسٍ حِينَ نُفِسَتْ بذِي الحُلَيْفَةِ أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، فأمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ)، أو التيمّم لعدم وجود الماء أو عدم القدرة على استعماله، ومن السنة كذلك تنظيف البدن بأخذ الشعر، وتقليم الأظفار، وإزالة الروائح الكريهة، ويُسن تطييب البدن بالعطر أو المسك أو البخور وغيره، ففي الحديث عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ لإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بالبَيْتِ)، ومن السنة أيضاً التجرد من المخيط من الثياب، ولبس إزارٍ ورداءٍ أبيضين نظيفين ونعلين لا يُغطيان الكعبين، لقوله صلى الله عليه وسلم: (وليُحرمْ أحدُكم في إزارٍ ورداءٍ ونعلينِ)، ويُسن له الإحرام بعد صلاة ركعتي نفلٍ أو بعد الفريضة.
محظورات الإحرام
محظورات الإحرام: أي المحرمات بسبب الإحرام، وهي تسعة، وفيما يأتي بيان ذلك:
المحظورات من اللِّباس: تختلف محظورات اللِّباس المتعلقة بالرجال عن محظورات اللِّباس المتعلقة بالنساء، وهي كالآتي:
محظورات اللِّباس للرجال: لا يحل للرجل المُحرِم أن يستر جسده أو بعضه بشيءٍ من اللِّباس المخيط، أو المُحيط الذي يُنسج على هيئة الجسد قطعة واحدة دون خياطة، كالقميص للجسد كله، والسراويل لبعض الجسد، والقفازين لليدين، والخفين للرجلين، وتفصيل أحكام ذلك كالآتي:
يحرم على المحرِم لُبس القميص، والعِمامة، والسروال، والبُرنس: وهو ثوب له كُمَّين يتَّصل به غطاء للرأس ويُلبس بعد الاسْتِحمام، فقد نقل ابن المنذر إجماع العلماء على عدم جواز لُبس القُمَّص، والعمائم، والسراويل، والخفاف، والبرانس للمُحرِم، فإن لم يجد المُحرِم إزاراً يلبس السراويل، واختلفوا في فدية من لَبِس السراويل لعدم الإزار، فقال الشافعي: لا فدية عليه، وقال أبوحنيفة ومالك: على كل من لبس السراويل الفدية.
يلبس المُحرِم الخفين إن لم يجد النَّعلين، ولا يلزمه قطعهما كما في المشهور عن أحمد، وعن مالك والشافعي وأحمد في رواية أنه يقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين، فإن لَبِسهما من غير قطعٍ افتدى، ولو لَبِس المُحرِم الخفين المقطوعين مع وجود النَّعلين، فعليه الفدية، وليس له لُبسهما على قول مالك وأحمد، وقال أبوحنيفة: لا فدية عليه، ونُقل عن الشافعي كلا المذهبين.
يُباح للمُحرِم لُبس الهِمْيان: وهو كيس للنفقة يُشَدُّ في الوسط، قال ابن عبد البَرِّ: "أجاز ذلك جماعة فقهاء الأمصار"، ورُخِّصَ للمُحرِم لُبس الخاتم، ويُباح له لُبس القَبَاء: "وهو ثوبٌ يُلبَسُ فوق الثياب أَو القميص ويُتمنْطَقُ عليه"، مالم يُدخل يديه في كُمَّيِه على قول أبي حنيفة، وقال مالك والشافعي: عليه الفدية سواء أدخل يديه في كُمَّيِه أم لم يُدخلهما.
المحظورات من اللِّباس للنساء: تنحصر محظورات اللِّباس للمرأة في أمرين، وهما كالآتي:
تغطية الوجه: اتفق العلماء على تحريم تغطية المرأة وجهها في الإحرام، بلا خلاف بينهم في ذلك، فإن احتاجت المرأة إلى ستر وجهها؛ لمرور الرجال قريباً منها، فإنّها تُسدل ثوبها من فوق رأسها على وجهها، على قول مالك والشافعي.
لبس القفازين: ذهب مالك إلى أنَّ المُحرِمة لا تلبس القفازين، ورَخَّص في ذلك أبوحينفة، وعن الشافعي كلا القولين، أمَّا الخلخال فظاهر مذهب أحمد الرُّخصَة فيه، وكرهه الثَّوري وأبو ثور.
حلق الشعر: أجمع العلماء على أنَّ المُحرِم ممنوعٌ من أخذ شعر رأسه وجسده إلا لعذر من مرضٍ أو غيره فله إزالته.
تقليم الأظافر: اتفق العلماء على أنَّه لا يجوز للمُحرِم تقليم أظفاره إلا لعذر؛ كأن ينكسر ظُفره.
تغطية الرأس للرجل: قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنَّ المُحرِم ممنوعٌ من تغطية رأسه، ويدخل في الرأس الأُذنان فيحرم تغطيتهما، وأباح الشافعي تغطيتهما.
الطيب: ومعنى الطيب: ما تطيب رائحته كالمسك، والزعفران، والعنبر، والكافور، وغيره، أمّا حكمه: فقد أجمع أهل العلم على أنَّ المُحرِم ممنوعٌ من الطيب، ولا يلبس ثوباً مَسَّه طيبٌ؛ حتى يغسل الطيب عنه، ولا يتعمد شمَّه، ومتى تطيّب المُحرِم فعليه الفدية، والنبات ذو الرائحة الطيبة على ثلاثة أنواع، وتفصيل أحكامه كالآتي:
ما لا يُزرع للطيب، ولا يؤخذ منه الطيب؛ كنبات الصحراء مثل القيصوم والخَزَامَى، والفواكه كلها، وما يُزرع لغير قصد الطيب؛ كالحناء والعُصفُر، فيُباح شمه، ولا فدية فيه، وكره عبد الله بن عمر للمُحرِم شمَّ شيءٍ من نبات الأرض.
ما يزرعه الإنسان للطيب، ولا يُستخرَج طيبٌ منه؛ كالريحان، والنرجس، فقال عثمان بن عفان وابن عباس: يُباح بغير فدية، وقال الشافعي: يحرم شمُّه، فإن فعل فعليه الفدية، وكرهه مالك وأصحاب الرأي ولم يوجبوا فيه شيئاً، ونُقل عن أحمد روايتين في ذلك.
ما يُزرع للطيب، ويُستخرَج منه الطيب؛ كالورد والياسمين، ففيه الفدية إن استعمله أو شَمَّه، وعن أحمد في رواية أخرى في الورد؛ لا فدية عليه في شَمِّه.
قتل صيد البَرِّ أو اصطياده: لا خلاف بين أهل العلم في تحريم قتل الصيد واصطياده على المُحرِم، قال الله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ۖ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)، ويحرم على المُحرِم الإشارة إلى الصيد والدلالة والإعانة عليه، وقال عليٌّ وابن عباس وأصحاب الرأي: يضمن المُحرِم الصيد بالدلالة عليه، وقال مالك والشافعي: لا ضمان عليه.
عقد النكاح: قال مالك والشافعي: لا يجوز للمُحرِم أن يتزوج، ولا يُزوِّج؛ فلا يكون يكون وليَّاً في نكاحٍ، ولا وكيلاً فيه، ولا يقبله لنفسه، ولا يجوز تزويج المُحرِمة كذلك، والنكاح باطل، وأجاز أبوحنيفة ذلك كله، ويُكره للمُحرِم أن يَخطُب لنفسه أو لحلالٍ، ويُكره أن يكون شاهداً في النكاح، فإن خطب أو شهد لم يفسد النكاح، وقال بعض أصحاب الشافعي: لا ينعقد النكاح بشهادة المُحرِمين، ولا فدية في جميع ذلك.
الجِمَاع ودواعيه: لا خلاف بين أهل العلم في فساد الحجّ بالجِمَاع بالفرج قُبلاً كان أو دُبراً، قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن الحجّ لا يفسد بإتيان شيءٍ في حال الإحرام إلا بالجِمَاع، وحكى أبو ثور عن أبي حنيفة: أن الوطء في الدُبر لا يُفسد الحجَّ؛ لأنَّه لا يثبت به الإحصان.
المباشرة دون الفرج: ذهب مالك والحسن وعطاء إلى أنَّ المُحرِم إذا جامع فيما دون الفرج فأنزل فسد حجه؛ لأنها عبادة يُفسدها الوطء، وقال الشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر: لا يَفسُد حجّه؛ لأنه استمتاع لا يجب بنوعه الحد، أمّا إن باشر ولم يُنزل فإنَّ حجَّه لا يفسد بذلك.
مواقيت الإحرام
المواقيت جمع ميقات، ويعني لغةً: الحد، أمّا شرعاً: فهي أماكنٌ وأزمنةٌ معينةٌ لعبادةٍ مخصوصةٍ من حجٍّ أو عمرة، وتنقسم المواقيت إلى قسمين، وهما كالآتي:
المواقيت المكانية: هذه المواقيت لأهلها ولمن مَرَّ عليها من غيرهم، ومن كان منزله داخل حدود المواقيت؛ فإنَّه يُحرم من منزله لحجٍّ أو عمرة، أمَّا سكان مكة؛ فإنهم يُحرمون للحجِّ من بيوتهم بها، ويُحرمون للعمرة من الحِلِّ، وإن لم يَمُرَّ الحاجّ أو المعتمر بأحد هذه المواقيت؛ فإنَّه يُحرم بحجٍّ أو عمرة من محاذاة أحد المواقيت وجوباً، وإذا تساوى الميقاتان في القُرب؛ فإنه يُحرِم من أبعدهما عن مكة؛ لأنّه أحوط، والمواقيت المكانية خمسة، وهي:
ذو الحُلَيفة: ميقات أهل المدينة، ويُعرف الآن بأبيار عليٍّ، وهو أبعد المواقيت عن مكة، ويبعد عن المدينة المنورة ستة أميال أو سبعة.
الجُحفة: ميقات أهل الشام ومصر والمغرب، وهي قرية قريبة من رابغ، فمن أحرم من رابغ فقد أحرم قبل الميقات بيسير، وتلي ذا الحُليفة في البعد.
يلَملَم: ميقات أهل اليمن، وبينه وبين مكة ثلاثون ميلاً.
قَرْنُ: يُقال له: قَرْنُ المنازل وقَرْنُ الثعالب، وهو ميقات أهل نَجْد -الحجاز- وأهل الطائف.
ذات عِرْق: ميقات أهل المشرق، أي العراق وخراسان وباقي الشَّرق.
المواقيت الزمانية: وهي مواقيتٌ خاصةٌ بالحجّ، وهي أشهر الحجّ: شَوَّال، وذو القَعْدَة، وعشرٌ من ذي الحِجَّة، ويوم النَّحر داخلٌ فيها، قال الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ).