أرسل الله عزَّ وجلَّ لكل أمة نبياً مُنذِراً أو رسولاً هادياً؛ ليهديهم إلى الله، ويُرشدهم إلى الطّريق القويم، قال الله عزَّ وجلَّ: (ولقد بعثنا في كلّ أمّة رسولا)،وليُخرجهم من الضّلال الذي هم فيه إلى النّور والهدى، وقد أرسل الله محمداً -عليه الصّلاة والسّلام- إلى النّاس كافّةً ليُبشّرهم بالجنّة وثواب الله اذا اتَّبعوا الحقَّ والنّور الذي جاء به، ويُنذرهم من النّار والعذاب الشّديد إذا خالفوا أوامر الله واتّبعوا الشّيطان. قال الله عزَّ وجلَّ: (وما أرسلناك إلا كافّةً للنّاس بشيراً ونذيراً).
معنى الرّسول والنبيّ
الرَّسُول [مفرد]: جمع رُسْل ورُسُل وهو: مبعوث، شخص يحمل الرَّسائل، أو ينقل رسالةً شفويّةً، أو يقوم برحلة قصيرة لتوصيل رسالة (ويستوي فيه الواحد وغيره).الرسول في الشّرع: إنسان بعثه الله تعالى إلى الخلق لتبليغ الأحكام، وقد خُتِمَوا بمحمد عليه الصّلاة والسّلام.
النبيّ لغة: على وزن فعيل من الإنباء، وهو الإخبار، والنبيء: على وزن فعيل مهموز؛ لأنّه أنبأ عن الله، أي أخبر. والنبيّ في الاصطلاح: قال عبد القاهر البغدادي: (النبي كلّ من نزل عليه الوحي من الله تعالى على لسان مَلَك من الملائكة، وكان مُؤيَّداً بنوع من الكرامات النّاقضة للعادات).
الفرق بين النبيّ والرّسول
النبيّ هو من نَبَّأَهُ الله بخبر السّماء، فإن أُمِرَ بتبليغ غيره فهو نبيٌ رسول، وإن لم يُؤمَر بذلك فهو نبيٌ وليس برسول، وقيل: الرّسول: من أُرسِلَ إلى قومٍ مُخالِفين، مثل نوح عليه السّلام، والنبيّ هو من لم يُرسَل إلى قومٍ مُخالِفين وإن أُمِر بتبليغ الدّعوة، فالرّسول أَخَصُّ من النبيّ؛ أي أنَّ كلّ رسولٍ نبيّ، وليس كلّ نبيّ رسولاً، وعليه، تكون الرّسالة أعمُّ من النبوّة من جهة نفسها، فإنّ الرّسالة تتناول النبوّة وغيرها، وأخصُّ من النبوة من جهة أهلها، والحاصل ممّا سبق ذكره أنّ النبوّة والرّسالة، والنبيّ والرّسول من الكلمات التي إذا اجتمعتا معاً كان معنى كلّ واحد مُختلفاً عن الآخر، وإذا تفرَّقتا اجتمعتا في المعنى، فيكون المُراد منهما واحداً.
قيل إنّ الرّسل من أُرسلوا إلى كفّارٍ يدعونهم إلى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، ولا بُدّ أن يُكذّبِ القوم الرّسلَ؛ قال الله عزَّ وجلّ: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ)، وقال الله عزَّ وجلّ: (مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ)؛[ فإنّ الرّسول يُرسَل إلى قومٍ مُخالفين، فيُكذّبه بعضهم، ويُسمّى الرّسول رسولاً على الإطلاق؛ لأنّه يُرسَل إلى قوم بما لا يعرفونه. ومن الفروق بينهما كذلك أنَّ الرسول من أُوحِي إليه بشرعٍ جديد، والنبيّ هو المبعوث لتقرير شرعِ مَن قبله، وأكثر أنبياء بني إسرائيل كذلك.
عدد الأنبياء والرسل
الأنبياء والرّسل عليهم الصّلاة والسّلام كثيرون؛ منهم من ذُكِرَ في القرآن الكريم، ومنهم من ذُكِرَ في السُنّة الشّريفة، والذين ذكرهم الله في القرآن الكريم قسمان:
الأول: مَنْ بَيَّن الله عزَّ وجلَّ أسماءهم، وقصَّ أخبارهم، وهم خمسة وعشرون:
آدم عليه الصّلاة والسّلام ، قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا).
وهم إسحق، ويعقوب، وداوود، وسليمان، وأيّوب، ويوسف، وموسى، وهارون، وزكريّا، ويحيى، وعيسى، وإلياس، وإسماعيل، واليسع، ويونس، ولوط عليهم الصّلاة والسّلام.
إدريس عليه الصّلاة والسّلام، قال الله عزّوجلَّ: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا).
هود عليه الصّلاة والسلّام، قال الله عزَّ وجلَّ: (كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ).
صالح عليه الصّلاة والسّلام، قال الله عزَّ وجلَّ: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ).
شعيب عليه الصّلاة والسّلام، قال الله عزَّ وجلَّ: (كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ).
ذو الكفل عليه الصّلاة والسّلام، قال الله عزّ وجلّ: (وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ).
محمد عليه الصّلاة والسّلام، قال الله عزَّ وجلّ: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا).
فهؤلاء خمسة وعشرون كلّهم أنبياء ورسل، ومن هؤلاء الخمسة والعشرين أربعة من العرب، وهم هود، وصالح، وشُعَيب ومحمد عليهم الصّلاة والسّلام أجمعين.
الثاني: من لم يُعلَم أسماؤهم، ولم يَقصص الله من أخبارهم، وهؤلاء كثيرون لا يعلم عددهم إلا الله الذي أرسلهم فهو يُحصيهم، فهولاء يجب الإيمان بهم جميعاً دون استثناء؛ تصديقاً لخبر الله عنهم، قال الله عزَّ وجلّ: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ)، وقوله: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا * رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا).
أمّا عن ذكر عدد الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام في السُنّة النبويّة فقد أخبر النبيّ عليه الصّلاة والسّلام بعدد الأنبياء والمُرسلين، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله، كم المرسلون؟ قال: ثلاثمائة وبضعة عشر، جماً غفيراً)، وفي رواية أبي أمامة قال أبو ذر: (قلت: يا رسول الله: كم وفاء عدة الأنبياء ؟ قال :مائة ألف، وأربعة وعشرون ألفاً. والرّسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر، جماً غفيراً).
وقد ذُكر في السنة النبويّة الشريفة أسماء عدد من الأنبياء الذين لم يُذكَروا في القرآن الكريم، وهم شيث، ويوشع بن نون؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قال رسول الله عليه الصّلاة والسّلام: إنّ الشّمس لم تُحبَس إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المُقدّس).