لن تسعنا المجلدات للحديث عن فضل القرآن الكريم، وما سنذكره هو مختصر جداً لفضل القرآن الكريم، وعظمته، حيث سنتحدث عن عظمة نزوله، ثم دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم التعبد بتلاوته، ثم شفاعته، ثم فضل بعض السور فيه.
حثَّ النّبي -صلى الله عليه وسلم- على تلاوة القرآن الكريم، وبيّن أن لقارئ القرآن بكل حرفٍ من كل كلمةٍ يتلوها حسنة، والحسنة بعشرة أمثالها. تلاوة القرآن سببٌ للرفعة والبركة في الدنيا والآخرة: إنّ تلاوة القرآن الكريم تعتبر من ذكر الله -تعالى- المعروف أجره وبركته في الدنيا والآخرة، وقد ضمن الله -سبحانه تعالى- لمن اتّبع القرآن أن لا يشقى في الدنيا ولا في الآخرة، وهو سببٌ لرفعة المسلم، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّه يرفع بهذا الكتاب أَقواماً، ويضع به آخرِين) والمقصود بكتاب الله: القرآن الكريم. تلاوة القرآن خير من الدنيا وما فيها: فقد أخبر النّبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه عندما خرج عليهم في الصفّة بأنّ قراءة آية من كتاب الله خيرٌ لهم من الكَوما من الإبل؛ أي: عظيمة السَّنام.
القرآن الكريم هو الكتاب العظيم الذي لا يأتي الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، هو الكتاب الحق الذي جعله الله معجزة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، أول كلمة أنزلت فيه (اقرأ)، هي أوّل كلمة أنزلت عن طريق جبريل عليه السلام في غار حراء، فصار الكلام كلاماً معجزاً، ولو أنزل الله عز وجل هذا القران على غير البشر، أي لو أنزله على الجبل، لخشع الجبل من خشية الله عز وجل.
وليس هناك أحد أكمل طهارة في الملائكة من جبريل، وليس هناك أحد أكمل طهارة في بني آدم من محمد عليه الصلاة والسلام، ولا شيء أعظم من القرآن الكريم يُتلى، حيث كان جبريل عليه السلام، وهو ملك مبجّل ليس في الملائكة أحد أعظم منه، كان يأتي النبي عليه الصلاة والسلام في شهر رمضان المبارك، فيُدارسه القرآن الكريم، أي أنّ الملك جبريل عليه السلام كان يتلو آيات من القرآن الكريم، ثم بعد أن يفرغ من التلاوة، يتلو النبي عليه الصلاة والسلام ما تلاه جبريل، فتأمّل جلال العبدين الصالحين، وتأمّل جلال ما يقومان به، فهما يتلوان القرآن الكريم في شهر مبارك، عظمه الله، وفي ليالي جليلة عظم الله شأوها، ورفع الله منزلتها.
دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام:
وقد كانت دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام في مكة بالقرآن الكريم، حيث كان يقرأ والمشركون يستمعون، وأنّ أغلب من أسلم كان لأجل ما سمعه من القرآن الكريم، فهو بلغتهم وهم يفهموه، حتى أنّ أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما رضي المشركون ببقائه في مكة بعد خروجه الأول، ثم رجوعه، طلبوا من مجيره أن لا يصلي أبو بكر رضي الله عنه، ولا يقرأ القرآن أمام الناس، حيث كانوا يضعون أصابعهم، ويخافون أنّ الناس إذا سمعت القرآن أن تؤمن به، ويقولون لا تسمعوا لهذا القرآن.
شفاعته:
كان يقول الرسول عليه الصلاة والسلام بما معناه أنّ القرآن يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، فصاحب القران المُكثر من القراءة، والحفظ، والتلاوة، والترتيل، والتدبّر، يأتي القرآن الكريم يوم القيامة فيشفع له ويقول: يا رب حلّه، فيُلبَس تاج الكرامة، فيقول القرآن: يا رب زده، فيُلبس حلة الكرامة، فيقول القرآن: يا رب ارض عنه، فيرضى الله عز وجل عنه، ثم يقال له يوم القيامة اقرأ، وذلك أمام الله عز وجل في المحشر وأمام الخلق، والملائكة شهود، حيث يقرأ القرآن الكريم، وكلما قرأ رفعه الله درجة.
تحدثنا عن فضل القرآن الكريم، وعظمته بشكل عام، أي القرآن الكريم كوحدة واحدة، ولكن هناك بعض السور، والآيات التي خصها الله عز وجل بالفضل، وهي:
جاء في حديث للرسول عليه الصلاة والسلام بما معناه أنّه ما أنزل في التوارة، ولا الإنجيل ولا الزبور، مثلها إنّها فاتحة الكتاب، إنّها السبع المثاني، والقرآن العظيم، فالفاتحة هي أعظم سور القرآن الكريم، فهي شافية، وراقية.
ورد عن الرسول الكريم بما معناه أنّه سمع صوتاً فقال لأصحابه: أتعلمون ما هذا الصوت، إنه باب فُتح من السماء، فُتح اليوم، لم يُفتح قبل اليوم قط، ثمّ نزل ملكٌ من السماء، وقال هذا ملك نزل من السماء، لم ينزل قط قبل اليوم، وجاء هذا الملك إلى النبي فقال يا رسول الله: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك، (فاتحة الكتاب، وخواتيم البقرة)، لم تقرأ بحرف منهما إلا أعطيتهما، ثمّ جاء في حديث آخر أنّ الله خلق كتاباً، قبل أن يخلق السماوات واأارض بألفي عام، منه آيتين من خواتيم سورة البقرة.
جاء بمعنى الحديث عن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: اقرأوا الزهراوين، البقرة وآل عمران، يأتيان يوم القيامة تظلّلان صاحبهما، وأمّا عن آخر سورة آل عمران، فقد جاء أنّه قد دخل بلالٌ رضي الله إلى النبي عليه الصلاة والسلام يؤذنه بصلاة الفجر، فرآه يبكي، وسأله عن السبب، فقال بمعنى الحديث أنزلت عليّ الليلة آيات، ويل لمن قرأها، ولم يتفكر فيها، وهي أواخر سورة آل عمران.
سور أخرى
كان النبي في بعض الروايات لا ينام حتى يقرأ سورة الزمر وبني اسرائيل يعني الإسراء.
كان يقرأ الرسول عليه الصلاة والسلام السور المعروفة بالمسبحات، وهي السور الخمس التي تبدأ بـ (سبح، يسبح)، وهذه السور والتي تبدأ بكلمة سبَّح (الحديد، والحشر، والصف)، أما السور التي تبدأ بكلمة يُسبِّح (الجمعة، والتغابن).
سورة الملك لا تزال تشفع لصاحبها حتى يُغفر له، وهي المنجية من عذاب القبر، فمن أحبّ أن ينجيه الله من عذاب القبر، فليداوم على قراءة هذه السورة.
من قرأها قبل نومه فإنّ الله يأمنه من الشرك، يعصمه من الشرك، وفي بعض الروايات أنّها تعادل ربع القرآن
قراءة هذه السورة العظيمة تعادل ثلث القرآن الكريم.
في الختام أقول: ليس من أعظم الأعمال، وأجلها، وأجملها، وأفضلها من أن يختلي المسلم بقراءة القرآن الكريم، حيث يفتح المصحف في المصلى، أو البيت، أو على السرير قبل النوم، أو في الصباح بعد صلاة الفجر، أو في المسجد، أو في المكتب، ثم يبدأ بتلاوته، فكن من أهل القرآن، أهل الله، وخاصته، تعلّموا التجويد، والقراءة، ومعاني الكلمات، وتدبروا القرآن، ولا تسمعوه سماعاً، فهذا كلام الله، لنستغل أوقاتنا جميعها مع كلام الله عز وجل.