كان لغزوة مؤتة وَقعٌ سيئ على الرُّومان وجيشهم الكبير؛ فقد تمكن ثلاثة آلافٍ مقاتلٍ من المسلمين في ردع مائتي ألفٍ من المقاتلين الرُّومان؛ ممّا أساء إلى سُمعة الإمبراطوريّة الرُّومانيّة العظيمة ممّا حدا بالقبائل العربيّة المجاورة للشَّام والموالية للرُّومان بالتَّطلع إلى الانفصال والاستقلال عن الدَّولة الرُّومانيّة؛ فرأى الرُّومان القيام بغزوةٍ حاسمةٍ يقضون فيها على المسلمين قضاءً تامًّا في عُقر دارهم أي في المدينة المنورة.
غزوة تبوك في القرآن الكريم
غزوة تبوك من الغزوات العظيمة التي امتحن الله فيها قلوب المسلمين؛ فالعدوّ ذو عددٍ كبير وعِتادٍ، والزمن في وقت شديد الحرارة، والمسافة بعيدةٌ عن المدينة المنوّرة وفي ظلِّ الجَدب وقلَّة الموارد الماديّة للتَّجهيز للحرب؛ لذلك جاء القرآن الكريم على ذِكر هذه الغزوة في سورة التَّوبة في أكثر من موضعٍ:
الآية(92): تحدَّثت عن فقراء الصَّحابة الذين لا يملكون المال؛ لتجهيز أنفسهم للجهاد في سبيل الله؛ فأتوا يطلبون من الرَّسول التَّجهيز؛ فلم يجدْ ما يجهزهم به؛ فانصرفوا من عنده وأعينهم تفيض بالدَّمع كما ذكر القرآن حُزنًا شيداً وكمدًا على عدم المشاركة في الغزو.
فضح نوايا المنافقين الذين تخلَّوا عن النَّبي صلى الله عليه وسلم في ساعة العُسرة، وأخذوا يحرِّضون المسلمين على عدم الجهاد في سبيل الله في هذا الحرّ الشَّديد، كما جاء الأمر بهدم مسجد ضِرار.
العفو الرَّبانيّ عن الثَّلاثة الذين تخلَّفوا عن غزوة تبوك وهم: كعب بن مالك، ومرارة بن الرَّبيع، وهلال بن أُميّة.
استعداد المسلمين للقاء الرُّوم
عندما عَلِم النَّبي صلى الله عليه وسلم ما عزم الرُّوم على فِعله؛ استنفر المسلمون من كلِّ مكانٍ للجهاد، وأعلن في هذه الغزوة الجهاد صراحةً- فقد كان من عادة النّبي صلى الله عليه وسلم إخفاء مكان الغزوة حتّى لا تُنقَل الأخبار للعدوّ- كي يستعدّ النَّاس استعدادًا تاماً حيث كان التوقيت في الحرّ الشَّديد، والمسافة بعيدةً، وكان النَّاس يعانون من العُسر والجَدب.
حثَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم الميسورين وأصحاب الأموال على المساعدة في تجهيز المجاهدين المُعسرين؛ فبدأ الصَّحابة بتقديم كلِّ ما لديهم من الأموال وعتاد وأولّ من جاء بماله كلُّه -أربعة آلاف درهمٍ- أبو بكر الصِّديق رضي الله عنه، ثُم جاء عمر بن الخطاب بنصف ماله، وعثمان بن عفَّان أنفق عشرة آلاف دينارٍ وثلاثمائة بعيرٍ وخمسين فَرسًا بكامل عدَّتها، وكذلك ساهم في تجهيز الجيش كلٌّ من عبد الرّحمن بن عوف، والعباس بن عبد المُطلب، وسعد بن عبادة، وعاصم بن عدي، وغيرهم من الصحابة.
أمّا النِّساء فقد أرسلن ما قدرن عليه من الحُلِيّ، وبعد إكمال الجيش انطلق بقيادة الرَّسول صلى الله عليه وسلم، وخرج لملاقاة الرُّوم قبل أنْ يصلوا إلى المدينة المنورة، ونزلوا بتبوك وهي الآن مدينةٌ في شمال المملكة العربيّة السُّعودية.