قالَ تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ).[١]نزلت الآية القرآنية الكريمة في النجاشي وأصحابه، حيثُ إنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام عندَما خافَ على أصحابه في مكة من المشركين، بعثهم مع جعفر بن أبي طالب وابن مسعود إلى النجاشي ملك الحبشة، حيثُ ذاع سيطه أنه لا يظلم أحداً وأنه ملك صالح. وعندما وصلوا أمر النجاشي بجمع الرهبان والقسيسين، وأمر جعفر أن يقرأ عليهم من القرآن، فقرأ عليهم من سورة مريم، وكلما قرأ آية فاضت عيونهم بالدمع.
يخبر الله عزَ وجل في الآية القرآنية السابقة أنَّ عداوة المشركين واليهود للمؤمنين عداوة كبيرة وشديدة، وهي أشد من عداوة النصارى للمسلمين، ومن المعروف أنَّ أخلاق اليهود تمتلئ بالبغض والحسد والحقد وهذا لا يوجد لدى النصارى. كما يخبر عزَّ وجل بأن النصارى أقرب مودة للمؤمنين، حيثُ تمتلئ أخلاقهم بالمودة والرحمة اتجاه المؤمنين على عكس اليهود، وذلك لأن دين النصارى خالٍ من العداوة والبغضاء اتجاه المؤمنين بملة إبراهيم والذين يؤمنون بالكتب السماوية وحتى أنه خالٍ من الكراهية والبغضاء لأعداء الله المفسدين في الأرض، وسبب ذلك أن في النصارى قسيسيناً ورهباناً
العداوة هي البغضاء التي يظهر أثرها في القول والعمل، والمودة هي المحبة التي يظهر أثرها في القول والعمل. وفي كلمة (لَتَجِدَنَّ) التي وردت في بداية الآية الكريمة تأكيدان، اللام التي تفيد التأكيد والتي جاءت في القسم أول الكلمة، ونون التوكيد في نهاية الكلمة، والخطاب في الآية له وجهان، الأول أنَّه خطاب موجه للرسول عليه الصلاة والسلام، والثاني خطاب عام و(النَّاسِ) الذين نزل فيهم التفصيل هم إما يهود الحجاز ومشركو العرب ونصارى الحبشة، أو أنه عام لكل شعب ولكل جيل وزمان.