هو الصحابيّ الجليل خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن كعب، أبو سليمان القرشيّ المخزوميّ، وأمّه أخت أمّ المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، ولم يكن إسلام خالد -رضي الله عنه- مبكّراً؛ فقد أسلم في السنة الثامنة من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلام، قبل فتح مكّة المكرّمة، وشَهِد في حياة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- غزواتٍ عديدةً، منها غزوة مؤته؛ حيث استلم الراية عقب استشهاد القادة الثلاثة الذين عيَّنهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وقاد خالد بن الوليد -رضي الله عنه- في عهد الخلافاء الراشدين -رضي الله عنهم- معارك وفتوحاتٍ عديدةً، منها قتال المُرتدِّين في خلافة أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه، بالإضافة إلى مشاركته في فتوحات العراق وبلاد الشام، وإن كان خالدٌ -رضي الله عنه- مقارنةً بغيره من الصحابة الكرام مُقِلّاً في رواية الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، إلّا أنّه كان من أكثرهم شجاعةً وجسارة وأشدّهم بأساً في القتال، وأكثرهم حِنكةً وخبرةً في الأمور الحربيّة والعسكريّة.
فضائل خالد بن الوليد
لقّبه النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بسيف الله المسلول؛ لشجاعته وإقدامه، فقد جاء في الحديث الشريف، فيما يرويه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، عن رسول الله أنّه قال: (نِعْمَ عبدُ اللهِ وأخو العَشيرةِ خالدُ بنُ الوليدٍ سيفٌ مِن سيوفِ اللهِ، سلَّه اللهُ على الكفَّارِ والمنافقين).
أبلى خالد بن الوليد -رضي الله عنه- بلاءً حسناً، وكان ذا شجاعةٍ مشهودةٍ في غزوة مؤتة، ومصداق ذلك ما جاء في صحيح البخاري عن قيس بن أبي حازم، قال: (سَمِعْتُ خالدَ بنَ الوليدِ يقولُ: لقد دُقَّ في يدِي يومَ مُؤتَةَ تسعةُ أسيافٍ، وصبَرَتْ في يدِي صفيحةٌ لي يَمانِيَّةٌ).
أرسل النبي -صلّى الله عليه وسلّم- خالداً بن الوليد -رضي الله عنه- إلى مكّة، لهدم صنم العُزّى.
وقف خالد بن الوليد -رضي الله عنه- كلّ ما يملكه من دروعٍ وعتادٍ لله تعالى، والجهاد في سبيله، فقد رُوِي أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أرسل عُمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- لجمع الزكاة، فرجع يُخبر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بمن امتنع عن أدائها، فذكر من بينهم خالد بن الوليد، فتعذّر له النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قائلاً: (فإنّكم تظلِمون خالداً، فقد احتبسَ أدْراعَهُ وأعْتُدَهُ في سبيلِ اللهِ).
أوصى خالد بن الوليد -رضي الله عنه- قبل موته بأن يُجعَل فرسُه وسلاحُه عُدّةً في سبيل الله تعالى.
قبر خالد بن الوليد
تنقل الروايات التاريخيَّة أنّ وفاة خالد بن الوليد -رضي الله عنه- كانت في السنة الحادية والعشرين من الهجرة النبوية؛ حيث وافته المنيّة وهو في إحدى القرى القريبة من حمص، ودُفِن هناك وفقاً للروايات الراجحة التي نقلها غير واحد من العلماء والمؤرّخين، منهم: الواقديّ،
ومحمد بن سعد، وغيرهما.
ورغم شجاعة خالد بن الوليد رضي الله عنه، وما عُرِف به من إقدامٍ في القتال، واستبسالٍ في الغزوات والمعارك التي قادها وخاضها، إلّا أنّ الله تعالى لم يُقدِّر له أن يموت في إحدى المعارك التي خاضها، فقدّر الله -تعالى- له أن تكون منيّته على فراشه، وممّا نقلته الآثار أنّ خالداً -رضي الله عنه- قال قبل موته مُتأثِّراً ومُعبِّراً عن حاله: (ها أنا ذا أموت على فراشي، وما في جسدي قيدُ شبرٍ إلّا وفيه ضربةُ سيفٍ، أو طعنةُ رمحٍ، أو رميةُ سهمٍ في سبيل الله، أموت كالبعير، وكنتُ أتمنّى أن أموت شهيداً في سبيل الله، فلا نامَتْ أعيُنُ الجُبَناء)، ولعلَّ الله -تعالى- بكرمه ورحمته يُثيب الصادقين بنيّاتهم، ويأجرهم على قصدهم الحسَن، فتكون لخالد بن الوليد -رضي الله عنه- منزلة الشهداء، يقول الله تعالى: ( مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا۟ مَا عَٰهَدُوا۟ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُۥ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا۟ تَبْدِيلًا ﴿٢٣﴾ لِّيَجْزِىَ ٱللَّهُ ٱلصَّٰدِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَٰفِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا)