الصلاة ، الجمع والقصر فى الفقه الإسلامى ، أسباب وشروط الجمع والقصر فى الصلاة، طريقة الجمع والقصر فى الصلاة
الصّلاة
الصَّلاةُ هي عِمادُ الدين، والرُّكن الثّاني من أركان الإسلام، وفيها قال المُصطفى - عليه الصّلاة والسّلام- : (العَهدُ الذي بَينَنا وبَينَهُم الصلاةُ، فمن تَرَكَها فَقَد كَفَرَ)، والصّلاة هي الطَّريقَة الفُضلى التي يكون بها العبد بين يدي ربّه سبحانه وتعالى، يُؤدّي ما عليه من فرضٍ ابتغاء مرضاته والتقرُّب إليه، ومناجاته وطلب رضوانه ومغفرته، وسؤاله من أبواب الخير. ولأنَّ الإسلام دينَ يُسر وليس دين مَشقَّة؛ فإنَّ المُشَرِّع الكريم أباحَ للمُسلم بَعضاً من الرُّخص للتّيسير عليه؛ درءاً للمَشَقّة، وتخفيفاً على المُكلَّفين لعلمه الأزلي بضَعفِهم، ومن هذه الرُّخص الجَمعُ والقَصْرُ في الصّلاة.
جمعُ وقَصرُ الصَّلوات في الفِقهِ الإسلاميِّ
يُعرّف الجمع في الصَّلوات: أن تُصَلّى صلاتين لهما وقتان مُختلفان في وقتٍ واحد، أمّا بالنِّسْبة للقَصْرِ في الصّلاة؛ فهو محصورٌ في الصّلوات الرُّباعية (الظّهر والعَصْرُ والعِشاء)، إذ تُصَلّى ركعتان بدلاً من أربع، ولا يكون القصرُ في الصّلوات إلا للمُسافر فقط، أما الجمع فيمكن أن يكون للمسافر أو للمُقيم، وذلك في حالات مخصوصة؛ كهُطولِ المَطَر أو تساقُط الثلوج، ويُمكن أن يَرِد الجمعُ في أحوالٍ أخرى كالحَجّ. وأصلُ قََصْرِ الصَّلاة عائدٌ لعِلَّة السَّفَر، فقد رُوِيَ أنَّ عائشةَ زوجُ النبيِّ -عليه الصَّلاةُ والسّلام- قالت : (فُرِضَتِ الصّلاةُ ركعتينِ ركعتينِ، في الحضرِ والسفرِ، فأُقِرَّتْ صلاةُ السّفرِ، وزِيدَ في صلاةِ الحَضَرِ).
أسبابُ وشُروط الجَمْعِ والقَصْر في الصَّلاة
تَختَلِفُ شروطُ وأحكامُ الجمع باختلاف مُسبّباته، فلِكُل حالةٍ شروطها المُستقلّة، وقد اختلف الفُقهاء في الحالات التي يجوز الجمعُ فيها كما اختلفوا في شروط وأحكام تلك الحالات؛ وذلك على النَّحو الآتي:
الجَمعُ والقصرُ بسبب السَّفر: ويُشترط لجواز الجمع في السّفر عدّة شروطٍ منها: أن يكون السَّفر مُباحاً، فلا يجوز الجمع في سفر المعصية، وأن يَبلُغ مسافة القَصر، ومسافة القصر هنا تُعتَبَرُ بما يُعدَّ في العُرف سَفَراً، وقد اختلف الفُقهاء في تقديرها؛ فقال الحنفيّة: إنّ مسافة القَصر تُعتبر بما يساوي مسير ثلاثة أيامٍ، قياساً على الحديث القائل: (لا تُسافِر المَرأَة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم)، وهي عند المالكيّة أَربَعةُ بُرُد؛ أي ثمانيةٌ وَأربعونَ مِيلًا، وَحَدُّهَا بالزَّمان سَفَر يوْم وليْلة، وهي عند الشافعيّة مَسِيرَةُ يومين كاملين، وهو قول ابن عباس وابن عمر والليث، وعند الحنابلة مسافة القَصر مَسيرَةُ يومٍ تام.
والخُلاصةُ في هذه المَسألَة أنَّ الجُمْهورَ من أهل العلم على أنّ مسافة السَّفَر التي تُقصَرُ وتُجمَعُ فيها الصّلاة أربعة بُرُد، والبَريدُ مَسيرَة نصف يوم، أي ما يُساوي مَسيرَةَ يومَين قاصِدين، ومعنى يومان قاصِدان: أي لا يَسيرُ فيها الإنسان ليلاً ونهاراً سيراً بَحتاً مُتواصِلاً، ولا يكون كثير النُّزول والإقامة، فتكون المسافة تقريباً ثمانية وأربعين ميلاً، والمِيل المعروف ألف وستمئة متر، فتكون الأربعة بُرُد = 76.8 كم تقريباً، وقيل: 80.64 كم، وقيل: 72.
الجمعُ بسبب المطر: يجوز الجَمع بين صلاتين بسبب نزول المطر جَمعَ تقديم فقط باتِّفاق جُمهور الفُقهاء من المالكيّة والشافعيّة والحنابلة، ويُشترط في جَمع التَّقديم عند الشافعيّة سبعة شروط:
الأول: التّرتيب بأن يبدأ بصاحبة الوقت، فلو كان في وقت الظّهر وأراد أن يُصَلّي معه العصر في وقته يَلْزَمُه أن يبدأ بالظّهر.
الثّاني: نِيَّةُ الجَمع في الأولى بأَنْ يَنوي بِقَلِبه أداءَ العصر بعد الفراغ من صلاة الظّهر، ويُشترط في النيّة أن تكون في الصّلاة الأولى ولو مع السلّام منها.
الثّالث: الموالاة بين الصّلاتين، بحيث لا يَطُول الفَصْلُ بينهما بما يَسَعُ ركعتين بأخفّ ما يُمكن، فلا يُصلِّي بينهما النّافلة الرّاتبة.
الرّابع: دوام المَطَر إلى أن يَشْرَع في الصّلاة الثّانية بتكبيرة الإحرام.
الخامس: أن يُصلّي الثّانية جَمَاعة.
السّادس: أن يَنوِيَ الإمام الإمامة والجماعة.
السّابع: أن يكون الجَمع في مُصَلَّى بعيد عُرفاً بحيث يَأتونه بِمَشَقَّة في طريقهم إليه، ويُسْتثنى من ذلك الإمام الرَّاتب، فله أن يجمع بالمأمومين بهذا السّبب وإن لم يتأذ بالمطر، فإذا تخلّف شرط من ذلك، فلا يجوز الجمع للمقيم.
أما الحنفيّة فإنهم لا يُجيزون الجمع في الحَضَر بأيِّ عُذرٍ من الأعذار إلا في حالتين: الأولى: جَمعُ الظّهر والعصر في وقت الظّهر جَمعَ تَقديم في يوم عرفة بشرط أن يكون مُحْرِماً بالحجّ، وأن يُصَلي خلف إمام المُسلمين أو من يَنوبُ عنه. الثّانية: جمعُ المغرب والعشاء في وقت العشاء جمع تأخير في المزدلفة بشرط أن يكون مُحرِماً بالحجّ. وقال الحنابلة: الجمع المذكور بين الظّهر والعصر، أو المغرب والعشاء، تقديماً أو تأخيراً مُباح، وتركه أفضل.
الجمع بسبب الأعذار: يجوزُ الجمع للمريض الذي تَلحَقُه مشقّة بترك الجمع، أو المرأة المُرضِعَة أو المُسْتَحاضَة، فإنّه يجوز لها الجمع دفعاً لمشقّة الطّهارة عند كل صلاة، ومثل المُسْتَحاضَة: المَعذور؛ كمن به سَلَسُ بَولٍ، وكذا يُباح الجَمعُ المذكور للعاجز عن الطّهارة بالماء أو التَيَمُّم لكل صلاة، وللعاجِزِ عن مِعْرِفَة الوقت كالأعمى والسَّاكِنُ تحت الأرض، وكذا يُباح الجمع لمن خاف على نَفسِه أو ماله أو عِرضِه، ولمن يخاف ضرراً يلحقه بتركه في معيشته، وفي ذلك سَعَةٌ للعُمَّال الذين يَسْتَحيل عليهم ترك أعمالهم. وهذه الأمور كُلُّها تُبيح الجمع بين الظّهر والعصر، أو المغرب والعشاء تقديماً وتأخيراً. ويُباحُ الجمع بين المغرب والعشاء خاصّةً بسبب الثَّلج، والبَرْد، والجَليد، والوَحْلِ، والرِّيح الشديدة الباردة، وكل ما يترتَّبُ عليه حُصول مَشَقَّة، لا فَرق في ذلك بين أن يُصَلّي بداره أو بالمسجد، والأفضل أن يختار في الجمع ما هو أهون عليه من التّقديم أو التّأخير، فإن استوى الأمران عنده فجمع التَّأخير أفضل. ويُشترط لصحَّة الجمع تقديماً وتأخيراً أن يُراعِيَ التّرتيب بين الصّلوات. وهذا النوع من الجَمع الجمع أجازه من الفقهاء الشافعيّة والمالكيّة والحنابلة، ولم يُجِزه الحنفيّة لما سبق ذكره سالِفاً من أنّهم لا يُبيحون الجمع في الحَضَر لأيِّ عُذرٍ أو علَّةٍ سوى المُحرِم في الحج كما جاء في السُّنة المُطهَّرة.
الطّريقَة العَمَليّة للجَمْع والقَصر بينَ الصَّلَوات
بعد ذكر تفاصيل مَسألة الجَمعِ والقَصر عند الفقهاء يمكن التَوصُّل إلى عدّة نقاطٍ يجب الأخذ بها لأداءِ الصّلاة جمعاً وقصراً وفق ما نصَّ عليه الفُقهاء، وذلك بالتّفصيل الآتي:
التَأكُّد من وجود سبب الجمع والقَصر؛ فإن كان الجمع بسبب المطر فلا بد من توفُّر الشّروط التي ذَكَرها الشَافعيّة كاملةً، وأهمّها أن يكونَ الجمع تقديماً لا تأخيراً، وأن يتحقّق المُصلّي من وجود المطر أثناء الصّلاة الأولى وتواصله إلى وقت البدء بالثّانية، وأن ينوي الجمع ببداية الصّلاة الأولى.
يَبتدِئ المُصلّي بالصلّاة - صاحبة الوقت كالظّهر مثلاً إن كانت مجموعةً مع العصر- فينوي الجمع إماماً كان أو مأموماً بمُجرّد البدء بالأولى.
يتحقَّقُ الإمام من تواصل سبب الجمع وهو المَطر؛ فإن كان لا يزال السّبب قائماً أتمّ جَمعه، وإلّا فينتهي بما صلَّاه.
تُقام الصّلاة الثّانية فور الانتهاء من الأولى، ولا يُكتَفى بالإقامة للأولى، ويُشترط هنا ألّا يترك المُصلّي بين الأولى والثّانية فُسحةً تزيد عن وقت أداء ركعتين خفيفتين، فإن كان بينهما فُسحةً أكثر من ذلك بَطُلَ الجمع، وصلَّى كلّ صلاةٍ بوقتها وركعاتها.
إذا كانت الصّلاة في الجمع بسبب السّفر غير رُباعيّة، كالمَغرب، فلا تُقصَر، بل تُصلّى على حالها، فتُصَلّى المغرب ثلاثاً، ولا يوجد جمعٌ للفجر مع غيره من الصَّلَوات.
يُشترط لجمع الصّلاة وقَصرها بسبب السّفر مُفارقة العُمران؛ فلا يجوز له الجمع والقصر إن حلَّ وقت الصّلاة الأولى وهو ما يزال في دياره، بل يَجمع حينها دون قَصر بشرطِ أن تتحقّق لديه نيّة السّفر.
يَصحّ في الجمع والقصر بسبب السّفر أن يكون ذلك تقديماً أو تأخيراً بشرط أن يبدأ بالأولى؛ فإن كان الجمعُ تقديماً بدأ بصاحبة الوقت، وإن كان تأخيراً بدأ بالصّلاة التي أخَّرها عن وقتها، في حين أنّ الجَمع بسبب المطر لا يصِحُّ إلا تقديماً كما أجمع الفُقهاء.
في الجمع بسبب المطر لا يجوز الجَمع إلا بإمامٍ وجماعةٍ وتحقُّق المَشقّة، أما الجمع بسبب السّفر فيُشتَرط لذلك بلوغ مَسافة القَصر التي نصَّ عليها الفقهاء، ويَصحُّ الجمع حينها للجماعة والمُنفَرِد.